Site icon IMLebanon

نوع جديد من العلاقات العربية ـ العربية

تشير زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة والنتائج التي أسفرت عنها إلى فتح صفحة جديدة بين القاهرة والرياض، بل بين العرب والعرب، خصوصاً في ظلّ العقلانية التي اتّسم بها برنامج العاهل السعودي طوال الأيّام الخمسة التي أمضاها في مصر.

لم تقتصر الزيارة على اتفاق على بناء جسر بين المملكة ومصر فوق البحر الأحمر، بل ركّزت على الأمن العربي وذلك بإعلان الملك سلمان عن إنشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات. 

وقّع الجانبان السعودي والمصري ما يزيد على ثلاثين اتفاقاً في مجالات مختلفة، بما يعكس رغبة متبادلة في نقل العلاقة بين البلدين إلى نوع من الشراكة الاستراتيجية على الصعيد الإقليمي. إنّها في واقع الحال شراكة استراتيجية خليجية ـ مصرية لاستعادة التوازن المفقود في المنطقة. يحصل ذلك من دون تجاهل للأردن الشريك في دعم الأمن الخليجي وتعزيزه. وهذا ما يفسّر وصول ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى العقبة قبيل مغادرة الملك سلمان للقاهرة لإجراء محادثات مع الملك عبدالله الثاني. 

كانت اللبنة الأولى لهذه الشراكة الاستراتيجية مع مصر الدعم الخليجي لها في مرحلة مهمّة من تاريخها الحديث عندما تخلّصت من حكم الإخوان المسلمين، قبل أقل بقليل من ثلاث سنوات. 

حصل ذلك في حزيران 2013 عندما أسقط الشعب المصري حكم الإخوان ولقي على الفور استجابة خليجية دعماً لثورته. من يتذكّر أنّ المساعدات الأولى التي تلقتها مصر وقتذاك جاءت في شكل خمسة مليارات دولار من السعودية وأربعة مليارات دولار من الكويت وثلاثة مليارات دولار من دولة الامارات العربية المتحدة. 

من هذا المنطلق، ليس صدفة أن تكون الإمارات والكويت حاضرتين في احتفالات توقيع الاتفاقات بين مصر والسعودية. كانت الإمارات حاضرة عبر الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي والكويت عبر رئيس مجلس الامة مرزوق الغانم. 

ليس صدفة أيضاً توجّه الأمير محمّد بن سلمان، بعد ذلك، من العقبة حيث التقى الملك عبدالله الثاني، إلى أبو ظبي للقاء الشيخ محمّد بن زايد وليّ العهد فيها.

كان القرار بدعم مصر وشعبها و«ثورة الثلاثين من يونيو« الإشارة الأولى إلى فهم الجانب العربي واستيعابه التام لحال التذبذب التي تعاني منها إدارة باراك أوباما التي قرّرت إدخال تغييرات في العمق على السياسة الخارجية الأميركية. وضعت هذه الإدارة في أولوية أولوياتها الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني. اختزل هذا الملف، بالنسبة إليها، كل مشاكل الشرق الأوسط والخليج. 

هناك في واقع الحال المملكة العربية السعودية الجديدة التي تمثّلها قيادة الملك سلمان. تعني هذه القيادة أوّل ما تعني التجدّد في ظل الاستمرارية. هناك حيوية سعودية كان أفضل تعبير عنها «عاصفة الحزم« في اليمن والمواقف الحازمة من المشروع التوسّعي الإيراني الذي يهدّد كلّ دولة عربية، خصوصاً العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين.

هناك شقّ آخر من الزيارة يدل أول ما يدل على مدى الوعي السعودي للمخاطر التي تتعرّض لها المنطقة وأهمّية مصر والدور الذي يمكن أن تلعبه، خصوصاً بعدما أظهر الرئيس عبدالفتاح السيسي قدرة على فهم الخطر الذي يمثّله التطرّف ودور الأزهر في مواجهته. 

حرص الملك سلمان على زيارة الازهر مؤكداً أهمية القضاء على الصورة الخاطئة التي يحاول الجهلة والمغرضون نشرها عن السعودية وتوجهاتها في المجال الديني. أكثر من ذلك، استقبل الملك سلمان بابا الأقباط في مصر تواضروس الثاني. يقضي الاستقبال على كلّ الاقاويل التي يروّج لها أولئك الذين لا يريدون تصديق أن السعودية لم تفرق يوماً بين مصري وآخر بسبب ديانته او بين لبناني وآخر بسبب مذهبه.

فوق ذلك كلّه، بدأ بناء علاقة سعودية ـ مصرية وخليجية ـ مصرية من دون عقد من أي نوع. ليس الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين سوى مؤشر إلى تجاوز كلّ ما له علاقة برواسب الماضي. أعادت مصر جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية بعدما وضعتا في حمايتها منذ العام 1955. هذا قرار شجاع لا يتخذه إلّا الزعماء الذين يدركون معنى المصلحة الوطنية والتزام القانون الدولي والابتعاد عن المزايدات التي تخدّر الشعب ولا تطعمه خبزاً. 

يبدو تأهيل مصر جزءاً لا يتجزّأ من الرهان على إمكان تطوير دورها الإقليمي. 

يصب هذا الرهان في إيجاد مكان للعرب في المنطقة وذلك في وقت يوجد من يريد إزالتهم من خريطة الشرق الأوسط والخليج، خصوصاً بعد سقوط العراق في يد إيران وما حلّ بسوريا بفضل إصرار بشّار الأسد على البقاء في دمشق برعاية روسية وإيرانية. 

فمصر دولة شرق أوسطية وأفريقية وخليجية في آن. لا يختلف اثنان على أن لديها مشاكل كثيرة. ولكن من يتمعّن في نوعية الاتفاقات التي أسفرت عنها زيارة الملك سلمان، يكتشف ان كلّ ما في هذه الاتفاقات درس بدقّة، بدءاً بالجسر بين آسيا وافريقيا، وصولاً الى تنمية سيناء التي يمكن ان تساعد في حلحلة أزمة النمو السكاني في البلد العربي الاكبر، انتهاء بدعم الأزهر ليكون منارة للوسطية ونشر التسامح والمعرفة بديلاً من التطرّف والتزمّت والجهل.