يعتقد سياسيون أنّ المرحلة الراهنة ستكون مرحلة استيعاب تداعيات وانعكاسات نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية، بحيث سينصرف كل فريق سياسي الى الاستثمار في هذه النتائج استعداداً للانتخابات النيابية المقررة في حزيران 2017.
يتوقع هؤلاء السياسيون أن تشهد صفوف كل فريق سياسي تفاعلاً مع نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية الى حدود التعديل في خطط العمل والمشاريع المتعلقة بالاستحقاق النيابي قانوناً وترشيحاً واقتراعاً، خصوصاً أنّ الانتخابات النيابية لن تؤجّل مجدداً حتى ولَو لم يتم إقرار قانون انتخابي جديد.
وسيترافَق هذا التفاعل مع سَعي كل فريق الى دعم مكامِن القوة ومعالجة مكامن الضعف التي اكتشفها من خلال خوضه الانتخابات البلدية وإن كان بعض الفرقاء حاول الإيحاء انه لم يتدخّل في هذه الانتخابات بذريعة انه لا يريد دعم أي طرف ضد آخر وانه يريد أن يكون للجميع وأن يكون هذا الجميع له، او إنه لا يريد التدخّل في انتخابات يأخذ النزاع في بعضها «الطابع العائلي» أو «البلدي».
كذلك، يؤكد هؤلاء السياسيون أنّ الانتخابات البلدية بنتائجها لن تبدّل أو تغيّر في موقف هذا الفريق السياسي من الفريق الآخر، حتى ولو أنها تحالف انتخابي وموضعي في هذه البلدية او تلك، والمثال على ذلك أنّ الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل» لم يبدّلا موقفهما السياسي من «حزب الله» على رغم الحوار الجاري بينهما، والعكس صحيح، وهذا الأمر ينطبق على العلاقات بين بقية الفرقاء السياسيين، لأنّ التوافق المطلوب لن يحصل في هذه العجالة، وانّ الجميع يفترضون أنه سيحصل، او إنّ الآفاق للتوَصّل إليه ستنفتح لحظة الاتفاق بين الافرقاء السياسيين على انتخاب رئيس جمهورية جديد.
ويرى فريق من هؤلاء السياسيين أنّ الاستحقاق الرئاسي لا يزال يراوح بين ترشيحَي رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، إذ انه حتى اللحظة لم يظهر أنّ أيّاً منهما سينسحب لمصلحة الآخر، مع العلم أنّ انسحاب ايّ منهما لا يعني أنّ انتخاب المرشّح المُنسَحَب مضمون الانتخاب، لأنّ هناك من يؤكد انّ الاستحقاق الرئاسي قد يؤول لمصلحة مرشّح توافقي.
ولذلك، سيبقى بند الاستحقاق الرئاسي متصدراً جدول أعمال طاولة الحوار بين رؤساء الكتل النيابية مشفوعاً بملف قانون الانتخاب الذي يحتلّ المرتبة الثانية، او ربما سيتزاحم هذان الملفان على الأولوية الحوارية في قابل الاسابيع والاشهر المقبلة حتى يستوي كلّ منهما على «عرشه» في الواقع السياسي والقانوني والدستوري.
ولعلّ الأهمية التي بدأ يعلّقها كثير من القيادات السياسية على جولة الحوار الجديدة المقررة في 21 من الجاري، نابعة من اقتناع الجميع بأنّ التمديد لمجلس النواب مجدداً ليس وارداً بكل المقاييس والمعايير، وان لا بدّ من إقرار قانون انتخابي جديد حتى ولو كان عبر تعديل قانون الستين النافذ الذي أقرّه مؤتمر الحوار الوطني في الدوحة عام 2008.
وتشير المعلومات الى أنّ المتحاورين الذين من المقرر أن يحملوا الى الجلسة أجوبتهم على المبادرة التي حَمّلهم إيّاها رئيس مجلس النواب نبيه بري، راعي الحوار ومديره، سيجدون أنفسهم أمام حقيقة لا مفرّ منها وهي أنّ إقرار قانون انتخابي جديد بات أمراً واقعاً لا مفرّ منه، إذ إنّ بري سيطرح موضوع اعتماد النظام النسبي في قانون الانتخاب الجديد جزئياً او كلياً، مُنطلقاً من مشروعه المختلط الشهير الذي يناصف بين اعتماد النظامين الأكثري والنسبي في الانتخابات النيابية، كذلك سيطرح مشروع قانون الانتخاب الذي أقرّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وهو يقسم لبنان الى 13 دائرة انتخابية ويعتمد النظام النسبي جزئياً.
وفي هذه الحال سيكون على طاولة الحوار أن تقرر، الاتفاق على قانون انتخابي جديد يعتمد النسبية كلياً او جزئياً، أو إدخال تعديلات أساسية على قانون الستين النافذ، وأبرزها إدخال النسبية فيه، وذلك لأنّ هناك استحالة لدى قوى سياسية أساسية بالقبول بالاستمرار في هذا القانون تحت نظرية «الظروف القاهرة» التي لم تكن قاهرة فعلاً يوم تمّ التمديد لمجلس النواب على مرحلتين عامي 2013 و2014 وإنما كان القاهر يومها بعض القوى السياسية التي قهرت الارادة الشعبية وفرضت التمديد للمجلس مغلّفاً بذريعة التمسّك بأولوية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وما زال البحث جارياً منذ ذلك الحين، وليس من رئيس انتخب بعد وليس هناك من ينتخبون.
الصورة لا تزال ضبابية حول مصير قانون الانتخاب، يقول أحد المرجعيات السياسية، ولكنّ النسبية ينبغي أن تعتمد في أيّ قانون انتخاب ولو بالحد الأدنى لأنّ الانتخابات ستجرى في السنة المقبلة مهما كلّف الأمر. وإنّ على الحالمين بالتمديد، أو باعتماد قانون الستين، أن يتوقفوا عن قراءة هذه المزامير التي فضحتها الانتخابات البلدية.