Site icon IMLebanon

خريطة جديدة… ولكن كيف؟

في موازاة السخونة المجنونة التي أطاحت الخطوطَ الحمر في ساحات الشرق الأوسط المشتعلة، ثمَّة حركة دولية ناشطة محورُها أزمات المنطقة. ففي موسكو أوّل زيارة لمسؤول أميركي رفيع منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية وما استتبعَها من وضع عقوبات على روسيا.

وزير الخارجية الأميركي جون كيري بدا متفائلاً بعد اجتماعه بنظيره الروسي سيرغي لافروف ومن ثمّ بالرئيس فلاديمير بوتين اللذين بدورهما وصفَا اللقاء معه بأنّه «رائع».

في الأساس كانت موسكو قد بدأت اتّباع سياسة أكثر مرونة، وهي ترجَمت ذلك في إحجامِها عن عرقلة صدور قرار مجلس الامن الدولي حول اليمن مكتفيةً بامتناعها عن التصويت.

الموقف الروسي قابلَه ردّ تحيّة سعودية من خلال ارتفاع أسعار النفط، ما يعني ضمناً عودةَ انتعاش الاقتصاد الروسي. ولاحقاً كثرَت التأويلات حول «قطبة» روسيةٍ ما ساهمَت في سقوط جسر الشغور وبالتالي تهديد منطقة النفوذ الصافية للنظام السوري. لا بل كثرَ الحديث عن تخَلٍّ إيراني أيضاً نتيجة الاتّفاق مع واشنطن، وسيصل في نهاية الامر إلى إسقاط الرئيس السوري بشّار الأسد.

لكن لاحقاً ومع الزيارة السريعة التي قام بها وزير الدفاع السوري الى طهران حيث التقى نظيرَه الايراني، بدا أن لا تغيير في الموقف من النزاع الدائر في سوريا. لا بل تؤكّد المعلومات أنّ إيران أرسلَت على الفور إلى سوريا أسلحةً جديدة ونوعية، إضافةً إلى مجموعة جديدة من الجنود المصنّفين قوات النخبة والتي تمركزت جنوب دمشق للتأكيد أنّ أمنَ دمشق موازٍ لأمن طهران.

في المقابل عَزّزت القِطع البحرية الروسية الموجودة في قاعدة طرطوس والمياه القريبة منها مِن حركتِها، لا سيّما المعلومات الاستخبارية. لكن في موسكو تحَدّث كيري بوضوح عن محادثات شملت ملفّات إيران وسوريا والعراق واليمن وليبيا، إضافةً إلى أوكرانيا، فيما أشارَ المتحدث باسم بوتين عن حوار سيَسمح بإيجاد حلول لإعادة العلاقات الروسية – الاميركية الى مسارها الطبيعي.

وجاءَ ذلك ما بين اجتماع كيري مع نظرائه الخليجيين حيث تمّ وضع الخطوط العريضة للبيان الختامي للقمّة الاميركية – الخليجية وبين انعقاد هذه القمّة التي غاب عنها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وملوك وأمراء آخرون.

صحيح أنّ قمّة كمب ديفيد ستَشهد إطاراً جديداً للتحالف الأميركي – الخليجي لناحية زيادة مستوى التعاون العسكري وتنظيم صفقات الأسلحة وفتح المساحات الأمنية الخليجية كلّها أمام الأعيُن الأمنية الأميركية في إطار محاربة الإرهاب. إلّا أنّها من المفترض أن تشكّل مدخلاً حول طريقة إعادة رسم العلاقات الخليجية – الإيرانية بعد توقيع الاتّفاق النهائي بين واشنطن وطهران.

وترَدَّد أنّ العواصم الخليجية تسعى إلى إنجازات على مستوى الملفّ السوري قبل الشروع في أيّ اتّصال مع طهران. لذلك ستبقى الساحة السورية في ذروة التصعيد ومهَبّ المفاجآت الميدانية حتى استقرار الصورة الدولية أكثر، خصوصاً أنّ الأوساط الديبلوماسية المطّلعة تعتقد أنّ المسألة ما تزال بحاجة إلى كثير من الوقت قبل وضع القطار على السكّة.

من هذه الزاوية تأتي أيضاً معارك القلمون والتي تهدف في ما تهدف، الى تعزيز الحماية لدمشق وفرضِ أمرٍ واقع جغرافي يكون جاهزاً لاحتمالات المستقبل.

ويقال إنّ إسرائيل ومن خلال مجموعات الضغط المتعاطفة معها داخل مراكز صنع القرار الأميركي تدفَع باتّجاه تغيير حدود الدوَل وإنشاء كيانات جديدة وفق تقسيمات حدودية مختلفة عن تلك الموجودة حاليّاً.

وبالتالي فإنّ العراق يشكّل أوّل ساحة اختبار في هذا الاتّجاه، خصوصاً الكيان الكردي القابل للتوسّع في اتّجاه سوريا، والمنطقة السنّية الناشئة والتي تتكوّن ما بين غرب العراق وشرق سوريا.

لكنّ الأوساط الديبلوماسية الغربية تؤكّد من جهتها أنّ القرار الاميركي ما يزال يتمسك بخريطة جيو سياسية جديدة ولكن وفقَ التقسيمات الحدودية الحاليّة. ومن هذه الزاوية أيضاً أهمّية المعارك الدائرة في القلمون.

فقريباً سيُنهي حزب الله عملياته العسكرية بعد أن يكون قد حقّق أهدافَه من خلال السيطرة على معظم التلال المهمّة في تلك المنطقة وربطِها في ما بينها، ما يَسمح لمجموعات الحزب الإشرافَ الكامل على كلّ المنطقة نظراً لطبيعة هذه التلال المرتفعة والمهمّة، وأيضاً تشديد الحصار حول الزبداني من جهة، ومن جهة أخرى دفع مسلّحي «جبهة النصرة» إلى الاحتكاك بمسلحي «داعش» الموجودين خصوصاً في جرود عرسال، وذلك سيَعني إنهاءَ أيّ أمَل لدى المسلّحين في الزبداني وبالتالي وضعهم أمام خيار الموت أو الانسحاب من الزبداني، من خلال تأمين طريق لهم. أمّا في جرود عرسال فهو سيَعني توفير المناخ الملائم لإزكاء الاقتتال بين «داعش» و«النصرة».

لكنّ المخاطر تبقى موجودة، أوّلاً من خلال إعادة إحياء «حلم» الوصول إلى طرابلس سبيلاً وحيداً أمام هذه المجموعات، ما يعني توقّعَ اصطدامها قريباً بالجيش.

وثانياً، مِن خلال تحريك الخلايا النائمة حيث كشفَت التحقيقات الجارية مع الذين تمّ توقيفهم أخيراً، حصولَ عمليات نقل أموال من الرقّة إلى لبنان تنفيذاً لأوامر تقضي بإعادة تنظيم تركيبة «داعش» في لبنان والبَقاء على استعداد لتحرّكات قريبة.

وبلغَت قيمة بعض هذه الحوالات خمسين ألف دولار، ما يعني بالنتيجة وجود نيّة واضحة لهَزّ الاستقرار الأمني في لبنان، في ظلّ التنامي المطَّرِد لهذه الخلايا في بعض المخيّمات الفلسطينية، ولا سيّما منها مخيّم عين الحلوة.

طبعاً، كلّ ذلك يؤدّي إلى استنتاج أكيد بأنّ تفاهمات الخارج ما تزال في حاجة إلى مرحلة من التصعيد، وأنّ لبنان ليس في منأى عن ذلك.