بعد أكثر من ثمانية أشهر على الشغور الرئاسي، تلوح في الأفق معالم «نفضة» وزارية دعا إليها رئيس الحكومة تمام سلام منذ كانون الأول الماضي، وذلك بعدما لاحظ أن الخلافات الوزارية المستفحلة باتت تهدّد عمل وإنتاجية حكومة «المصلحة الوطنية». فالوزراء على اختلاف انتماءاتهم السياسية يصرّون لدى طرح أي بند أو قضية أو ملف على طاولة الحكومة على التمسّك برأيهم الخاص، ويلجأون إلى التعاطي بشكل غير مسؤول أحياناً، ويبادرون إلى تعطيل صدور أي قرار مهما كان ملحّاً أو ضرورياً، وذلك انطلاقاً من رغبة تكاد تكون فردية أحياناً، لإعلان معارضته، وبصرف النظر عن المبرّرات أو الحجج المقدّمة لهذا الرفض.
وقد كشفت مصادر وزارية، أن هذا الواقع البالغ التعقيد والتعطيل لآلية العمل الحكومي، قد دفع بالرئيس سلام ووافقه في ذلك بعض الوزراء، إلى رفع الصوت عالياً ضد تفرّد عدد من الوزراء، واستمرار اعتراضهم المعرقل لاتخاذ القرارات. وأوضحت أن هذه الآلية الحكومية هي مطبّقة منذ الشغور الرئاسي، وكان قد حصل اتفاق مسبق عليها بين الرئيس سلام والوزراء، وهي تقضي بموافقة الجميع على ممارسة الحكومة مجتمعة صلاحيات رئيس الجمهورية، علماً أنه قبل حصول الفراغ في رئاسة الجمهورية، لم تسجّل إلا في مناسبات معيّنة، مناكفات أو مواجهات داخل الحكومة حول بعض القضايا الرئيسية.
لكن الواقع المستجدّ بعد وصول آلية العمل الحكومية هذه إلى ما يشبه الطريق المسدود في الأسابيع الماضية، قد وضع الرئيس سلام، كما كافة المكوّنات السياسية للحكومة، أمام أمر واقع جديد، وبات من الصعب معه استمرار أو توقّع أي إنتاجية لحكومة «المصلحة الوطنية». وقد رأت المصادر نفسها، في هذا الوضع دافعاً لاستنفار سياسي واسع سُجّل من خلال التحرّكات التي قام بها الرئيس سلام منذ مطلع العام الجاري باتجاه القيادات والمراجع السياسية في فريقي 8 و 14 آذار، لطرح تداعيات «التعطيل الحكومي» على مصير الحكومة بشكل عام، وليس فقط على جدول أعمالها المجمّد منذ شهور، بحيث يصار إلى تأجيل القرارات في الملفات الأساسية، مما يدخل الإدارات في حالة من الشلل الخطير. وأضافت أن الرئيس سلام أبدى خلال مشاوراته مع رؤساء الكتل النيابية توجّهه نحو عرض مسألة تغيير آلية العمل الحكومي على الوزراء، وذلك للخروج من حال الشلل والتعطيل. وقد أوضح رئيس الحكومة لكل من زارهم وعرض معهم هذه القضية، أن الإجماع الوزاري لا يجب أن يُطبّق على كل المواضيع والقضايا التي تبحثها الحكومة أي جدول الأعمال بكل بنوده، بل اعتبر أنه يجب أن ينحصر فقط بالمسائل الميثاقية. وبالتالي، فإن الملفات الأخرى يجب أن تُعرض على التصويت، ولكنها لا تفترض لإقرارها تحقيق توافق بين كل الوزراء، بل نصف الوزراء زائداً واحداً أو ثلثي أعضاء الحكومة.
وفي سياق متصل، كشفت المصادر الوزارية أن القوى السياسية المعنية بالتوافق الحكومي واستمراريتها قد أبدت حرصها على ضرورة عدم حصول أي تعطيل، وذلك انطلاقاً من خطورة النتائج المترتبة عن وصول حكومة المصلحة الوطنية إلى حافة الهاوية، وبالتالي، سقوطها وامتداد الفراغ من قصر بعبدا إلى السراي الحكومية.
وأكدت هذه المصادر، على أن الظروف الحالية تستدعي تجاوز هذه الأزمة الحكومية. مشيرة إلى جهود تُبذل لتهدئة الموقف داخل مجلس الوزراء من خلال الإبتعاد عن التشنّج ومبادرة الوزراء إلى تخطّي حساباتهم السياسية والحزبية، والتركيز على المصلحة العامة، وذلك للحفاظ على استمرارية الحكومة.