أن يحضر اثنان فقط من زعماء دول مجلس التعاون الخليجي قمة “كامب ديفيد” التي تنطلق غدا، يعني تحولاً في النمط الديبلوماسي والجيوسياسي بين واشنطن والمنطقة ورسالة الى الرئيس باراك أوباما فحواها أن المنطقة ليست حبيسة نفوذ “العم سام”، وبدأت تتطلع الى بدائل.
ويقول مصدر ديبلوماسي رفيع المستوى أن الاجتماعات التي سبقت القمة كانت متوترة ولا تعبر عن ارتياح أي من دول مجلس التعاون في التعاطي مع إدارة أوباما. وزير الخارجية الأميركي جون كيري سأل نظراءه في اجتماع باريس “لماذا تخافون من إيران وموازنتكم الدفاعية تضاهي موازنة ايران عشر مرات”. السؤال بحد ذاته يعكس سذاجة الادارة في النظر الى الدور الايراني وقراءة مخاوف الخليج. فتأثير إيران لا يخضع لموازنة دفاعية تقليدية، وطهران تحارب من اليمن الى العراق الى سورية ولبنان بميليشيات وتمويل أبعد من جداول برامج “أكسيل” و”باور بوينت” التي تعتمدها واشنطن.
الاجتماعات قبل القمة فضحت أيضا السقف المحدود الذي تتحرك تحته واشنطن في التعاطي مع دول الخليج. فمسودة البيان الختامي التي اطلعت عليها “الحياة” وقد يطرأ عليها تعديلات قبل نشرها رسمياً الخميس، ليست اتفاقاَ بين الجانبين ولا عقيدة دفاعية مثل التي قدمها جيمي كارتر في السبعينات. البيان الختامي بمسودته الحالية لا يعرض طائرات “أف 35” خوفا من تململ اسرائيل وتهديد تفوقها العسكري، ولا يتحدث عن أي اجراءات في سورية تتخطة كلام السنوات الاربع الماضية من أوباما حول “فقدان الأسد الشرعية… ودعم المعارضة المعتدلة”. انها التصريحات التقليدية التي لن يغير وهج اجتماع كامب ديفيد نمطيتها.
جُل ما تريده الادارة نيل موافقة وغطاء اقليمي على اتفاق شامل قد يوقعه أوباما مع إيران في تموز (يوليو) المقبل. هذا الغطاء لن يتخطى أيضا الموقف المكرر لدول الخليج باعتبار أي اتفاق “ذي براهين” يمنع ايران من تطوير السلاح النووي يصب في مصلحة المنطقة. آلية هذا الاتفاق وبنوده ستتحدد على طاولة الدول الخمس الكبرى وفي قاعات الأمم المتحدة والكونغرس اذا كان “شاملا”، والبراهين ستنكشف في معايير تطبيق ايران للاتفاق أو انتهاكه.
في أحد الاجتماعات التحضيرية للقمة قال مسؤول عربي للجانب الأميركي “هل نمتلك حق التخصيب كما تمتلكه ايران؟”. السؤال أزعج البيت الأبيض وكان الرد “بعد هذا المسار المضني مع طهران هل تريدون أن تصبحوا إيران”. وهنا أيضا جدل بيزنطي يعكس الهوة البعيدة بين فهم واشنطن والواقع الجديد في دول المنطقة. هناك اليوم تحول خليجي أكبر باتجاه السوق الآسيوية والعملاق الصيني، وثقة بالقرار الخليجي وقدرته على التحرك باستقلالية، على رغم تحفظات ادارة أوباما.
هذا الواقع يعقد حسابات الادارة الأميركية، وقد يدفع بتحولات سياسية وميدانية لا ترضي واشنطن في اليمن والعراق وسورية. إذ تذمر أخيرا مسؤول في البيت الأبيض من تقدم المعارضة السورية شمالا وكون ذلك “يفيد الجهاديين وجبهة النصرة”. لكن بغض النظر عن التحليل السياسي الخاطئ لهذا المسؤول، فموقفه ليس له وقع القوة العظمى بعد أربع سنوات من التردد والتذبذب الأميركي في سورية.
قمة كامب ديفيد في الشكل والمضمون سترسخ واقعا أكثر استقلالية لدول الخليج، وآخر أقل استراتيجية ونفوذاً لادارة باراك أوباما.