بعد مضي المهلة الرسمية لتلزيم ترحيل النفايات، تقدّمت شركة «نيو بوكسر» بعرض للترحيل بكلفة منخفضة عن الكلفة التي التزمتها شركة «شينوك». اللجنة المكلّفة ملفّ الترحيل تعاملت بسريّة مع العروض المقدّمة وحرمت عدداً من الشركات المشاركة، والدولة توفير الأموال، فيما العرض الجديد يوفّر على الخزينة مئات ملايين الدولارات. فهل يعيد مجلس الوزراء البحث في القضية؟
قبل أيام من انتهاء المهلة التي حدّدها مجلس الإنماء والإعمار لشركة «شينوك» للتقدم بكامل أوراقها والتزام ترحيل النفايات، كرّرت شركة «نيو بوكسر»، أمس، توجيه رسائل إلى رئاسة مجلس الوزراء ورئيس اللجنة الوزارية المكلفّة ملفّ النفايات الوزير أكرم شهيّب ووزراء آخرين، مقدّمة عرضاً لترحيل النفايات بكلفة 85 دولاراً للطن الواحد، بدل عرض 123 دولاراً الذي قدّمته «شينوك» وفازت به!
وزادت «نيو بوكسر» على عرضها الأول المقدّم في 16 من الشهر الجاري للخطّة المؤقّتة للترحيل، خطّة مستدامة لإنشاء «مراكز صناعية حديثة لمعالجة النفايات في المحافظات اللبنانية بالتزامن مع الترحيل».
وحصلت «الأخبار» على نسخة من العرض الذي وصل إلى رئاسة الحكومة وشهيّب والرئيس نبيه بري ووزراء البيئة محمد المشنوق والمالية علي حسن خليل والتربية الياس أبو صعب والصحة وائل أبو فاعور، ورئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر، وورد فيه تأكيد لجديّة العرض الأوّل، وتعهّد بـ«تأمين الكفالات المصرفية وكافة التراخيص والموافقات من حكومات الدولة المستقبلة ووزارتي البيئة والخارجية فيها، مع تصديق السفارة اللبنانية في البلد المستقبل، وموافقات خطية من دول العبور». وتعهّدت الشركة أن «تكون كامل التراخيص مراعية لاتفاقية بازل، إضافة إلى اتفاقية باسكو إذا لزم الأمر».
وذكر العرض في «الخطّة المستدامة» إنشاء «مراكز حديثة ومتطورة بمواصفات عالمية غير مضرة بالبيئة» في محافظات الشمال، البقاع، الجنوب، جبل لبنان وبيروت لفرز النفايات، بالتزامن مع الترحيل المؤقت، خلال مدة أقصاها أربعة وعشرون شهراً. وبحسب الرسائل، فإن «إنشاء مراكز على نطاق المحافظات لفرز العوادم عن المواد التي يمكن إعادة استعمالها سيكون وسيلة لتخفيف كلفة النقل بين الأقضية»، و«إعادة تصنيع المواد الأولية المفرزة كالبلاستيك والكرتون».
تبلغ كلفة «مراقبة» عملية ترحيل النفايات 555 ألف دولار شهرياً!
وعدّدت رسائل الشركة إيجابيات العرض بـ«خفض سعر ترحيل الطن من السعر المطروح حالياً مع الشركة الإنكليزية، وتوفير مئات ملايين الدولارات على خزينة الدولة»، و«ترحيل النفايات بأسرع وقت ممكن مع إمكانية زيادة الكمية المطروح ترحيلها يومياً»، و«تأمين فرص عمل لكل من المناطق التي ستشيد عليها مراكز الفرز والتصنيع»، و«خلق فرص عمل للمصانع المحلية للمساهمة في إعادة التدوير، عوضاً عن استقدام شركات أجنبية تنافس المواطن اللبناني».
إلّا أن اللافت في عرض الشركة، وهي مجموعة عالمية يرأس مجلس إدارتها اللبناني مروان جابر، وتعنى بالتجارة والصناعة ومناجم الذهب والشحن الجوي والبحري والبري وتعمل في الصين وتايلاند والبرازيل وكندا ودول أخرى، هو تعهدها باقتطاع 35 في المئة من الأرباح الصافية السنوية للمراكز الصناعية، وتوزيعها بنسب مئوية: 10% من صافي الأرباح لوزارة الصحة اللبنانية، 10% لوزارة التربية والتعليم العالي، 5% لوزارة البيئة، 5% للمشاريع الاجتماعية كدور العجزة والمؤسسات التي تعنى بالمدمنين وطبابتهم، و5% لدعم المزارعين بالأسمدة والمستلزمات الأخرى.
وتنتهي عند الساعة 12 من ظهر الجمعة المقبل المهلة النهائية أمام «شينوك» لتقديم أوراقها والرخص التي يفترض أن تؤمنها من «دول الوجهة» التي ستصدر إليها النفايات، وإلا اعتبرت الموافقة المبدئية بحكم الملغاة وتخسر الشركة حكماً كفالة المليونين ونصف مليون دولار التي دفعتها في 29 كانون الأول الماضي. وكان من المفترض أن تنتهي مهلة «شينوك» الجمعة الماضي بحسب قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 كانون الأول الماضي، والذي أمهل الشركة شهراً من تاريخ إصدار القرار لتقديم الوثائق المطلوبة. إلّا أن رئيس مجلس الإنماء والإعمار «أفتى» بأن الشركة ملزمة بتقديم الأوراق بعد شهر من تاريخ إيداعها الكفالة المالية لدى المجلس، وليس من تاريخ صدور القرار. وحتى الآن، لم تعلن الشركة «الإنكليزية»، التي يقف خلفها رجال أعمال لبنانيون وسوريون وعراقيون، عن وجهة الترحيل. لكن «التسريبات» الصحافية أشارت إلى أن الوجهة هي تركيا وغانا.
عرض «نيو بوكسر» الذي أتى متأخراً، يوفّر أموالاً طائلة على الدولة اللبنانية، إلّا أن شهيّب أكّد لـ«الأخبار» أنه «لم يعد ممكناً فعل شيء، لأن مجلس الوزراء اتخذ القرار وصرنا في مرحلة التنفيذ». وأضاف: «الملفّ الآن بات في عهدة مجلس الإنماء والإعمار». وقال شهيّب إن «مسودة العرض تضمّ أكثر من 26 شرطاً وافقت عليها في البداية خمس شركات. وبعد استقصاء العروض والشروط الفنية والمالية سقطت اثنتان وبقيت ثلاث، ثمّ خرجت الشركة الهندية لأنها تريد من الدولة تمويلها قبل بدء العمل، فالشركة الهولندية لعدم تمكّنها من دفع الكفالة، وبقيت شينوك».
وبدوره، أكّد الجسر لـ«الأخبار» أن «الأمر ليس في يدنا، نحن الآن نطبّق قرار مجلس الوزراء».
وسبق لشهيّب أن علّل عدم إجراء مناقصة علنية بعامل الوقت الضاغط. إلّا أن مصادر الشركة أكّدت أن «كل الاتفاقات والمفاوضات التي كانت تقوم بها اللجنة كانت سرية حتى آخر عشرة أيام ولم يعلن أي شيء إلّا عندما بدأ التلزيم، ما حرم عدداً كبيراً من الشركات الحصول على فرصة المشاركة، وحرم الدولة الحصول على أفضل العروض التي توفّر على الخزينة… هناك مئات ملايين الدولارات يمكن أن توفّر».
ويطرح الفارق في الأرقام والكلفة المنخفضة التي طرحتها «نيو بوكسر» بدل ترحيل الطن الواحد للنفايات، بالمقارنة مع ما طرحته «شينوك»، تساؤلات عن سبب الكلفة المرتفعة للنقل، في ظلّ الحديث عن «سمسرات» وتوزيع حصص، يتحتّم معها رفع الكلفة الحقيقية للترحيل.
وفصّل شهيّب لـ«الأخبار» الرقم 193 دولاراً لترحيل الطن الواحد، الذي أعلن عنه في مقابلته الأخيرة مع الزميل مارسيل غانم عبر «كلام الناس» كالتالي: 33 دولاراً للجمع والنقل إلى معملي الفرز في العمروسية والكرنتينا، 25 دولاراً للفرز والتدوير والتغليف والنقل من الكرنتينا والعمروسية إلى رصيف المرفأ، 8 دولارات للتحميل من الرصيف إلى البواخر، و123 دولاراً للنقل بالبواخر إلى وجهة الترحيل، بالإضافة إلى 4 دولارات كلفة مراقبة ستدفع إلى اللجان المكلّفة، والتي لم يتّضح بعد دورها وعملها!
وإذا ما اعتمد تقدير خبراء اللجنة الوزارية بأنه سيُصدَّر مليونان ونصف مليون طن من النفايات خلال مهلة السنة ونصف السنة التي أقرها مجلس الوزراء، يكون الحساب البسيط لكلفة «مراقبة» الـ 2,5 مليون طن على مدى السنة ونصف السنة عشرة ملايين دولار أميركي، أي 555 ألف دولار شهرياً لمراقبة النفايات! أي ما يعادل رواتب بقيمة ألف دولار لـ 555 لبنانياً يمكن توظيفهم بدل لجنة مراقبة النقل!
وباتباع الحسابات البسيطة أيضاً، تبلغ كلفة التدوير والتغليف والنقل إلى المرفأ على مدى السنة ونصف سنة 62.5 مليون دولار، أي ما يوازي شهرياً 3 ملايين و472 ألف دولار، ما يكفي لبناء خمسة معامل بتكنولوجيا عالية للفرز والتدوير.
هل يعيد عرض «نيو بوكسر» النقاش إلى مجلس الوزراء، خصوصاً في ظلّ الاعتراضات التي سجّلها وزير المالية علي حسن خليل ووزيرا التيار الوطني الحر بو صعب وجبران باسيل بسبب الكلفة العالية؟ «من دون تردّد يجب إعادة البحث في هذا العرض إذا كان جديّاً»، يقول خليل لـ«الأخبار»، مؤكّداً أن «عرضاً بهذا الحجم يوفّر على الدولة أموالاً طائلة يجب التعاطي معه بمسؤولية، وجدير بالاهتمام والمتابعة».