IMLebanon

نمط جديد من الدعم السعودي للبنان

أوقفَت السعودية دعمَها للبنان لفترةٍ من الزمن، فتغيَّر فيه كثير ووَقعت انتكاسات. وثبتَ، في رأي البعض، أنّ لبنان «يعيش» على الدعم السعودي والخليجي، وأنّ مِن دون ذلك يصبح مأزوماً إلى حدّ الإفلاس. ولذلك، جميعُ اللبنانيين، بمن فيهم خصوم السعودية، يباركون عودتَها إلى «دورها التقليدي» في لبنان.

عندما قرَّر الرئيس ميشال عون زيارة السعودية، كان الانطباع الغالب أنه سيعود منها ومعه المليارات الثلاثة التي وعد بها الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، في شكل أسلحة فرنسية للجيش. وتوقّع كثيرون أن تكون الزيارة فاتحةً لعودة السعودية إلى نهجها السابق، أي أن تفتح «باب الدعم» مجدداً.

تجربة عون انتهت بنِصف نجاح. قال السعوديون: «إبدأوا أنتم أولاً، لنرى ما ستفعلون لتحسين العلاقات، وبعد ذلك يأتي الحديث عن المال». لقد فتَح السعوديون الباب… وليس «باب الدعم».

العالمون بالوقائع يقولون: «صحيح أنّ السعودية تريد من اللبنانيين أن يقابلوها بالتعاطف معها في المحور الإقليمي، أو حياداً على الأقلّ، في مقابل الدعم الذي تقدّمه لهم. لكن هذا الاعتبار يمثِّل نصفَ الحقيقة. فالمملكة نفسُها تتبنّى خطة تقشّفٍ تصل إلى 2020، وتطاول موظفي القطاع العام والإدارات والمؤسسات، لمواجهة عجزٍ قارَب الـ100 مليار دولار في 2016.

لذلك، أبلغَ السعوديون الى عون استعدادَهم للإفراج عن هبة المليارات الثلاثة، مع الإصرار على التدرّج فيها، أي في موازاة تجاوبِ «حزب الله» معهم وتقليصِ حملاته عليهم. لكنّ البعض يعتقد أنّ السعودية ليست في وارد الإفراج عن المبلغ كاملاً، بمعزل عن مستوى التجاوب اللبناني. وهذا ما بات الفرنسيون أنفسُهم يعرفونه أيضاً.

المطلعون يقولون: «سيُفرَج عن جزء من الهبة. فالمملكة التي تتقشّف على مواطنيها المعتادين على السخاء بالرواتب والتقديمات، ستَدرس جيّداً دعمَها للبنان وفئاته التي لا يخفي بعضها تعاطفَه مع الخصوم الإقليميين. وإذ تتكبّد السعودية أكلافاً كبيرة في اليمن، فالأرجح أنّ جزءاً من المال الموعود للبنان أسلحة فرنسية، حُوِلَ إلى الجيش السعودي. وسبق أن رشَح من السعوديين ما يوحي بذلك.

هذه الوقائع لا تخفى على المطّلعين. ولكن كان على عون أن يحاول. فالدعم المالي السعودي، والخليجي عموماً، حيويّ للاستقرار وانطلاق العهد. وحتى «حزب الله» شجّعَ عون على مبادرته تحت سقف عدمِ الالتزام بأيّ شرط سياسي.

وذهابُ لبنان إلى السعودية، في حضور وتغطيةِ شيعيّين، خطوةٌ مفيدة لـ»حزب الله» أيضاً، لأنه يمثِّل تطبيعاً نسبياً معه. فلا أحد يطلب منه الخروج من سوريا مثلاً، ولا التخلّي عن سلاحه. وكلّ ما يُراد منه هو وقفُ الحملات ضدّ المملكة.

لذا يَعتقد البعض أنّ المملكة لن تعود إلى سياسة «الدعم المالي المطلق»، لا في لبنان ولا في سواه. وإنّ حلفاءَها في الشرق الأوسط كلّهم يدركون ذلك. وقد اكتشَف عون والوفد المرافق أنّهم يتعاطون مع نهجٍ سعودي جديد، يستوجب مقاربةً لبنانية مختلفة.

تقليدياً، اعتبَر لبنان أنّ المال السعودي، والخليجي عموماً، هو البدل الشرعي المستحقّ للّبنانيين على دول الخليج، ثمناً للمساهمة اللبنانية من خلال الطاقات الشبابية والخبرات في إنهاض المجتمعات الخليجية وتنميتِها.

وفي المقابل، اعتبَر الخليجيون لبنان واحةَ الاستقرار والحرية والتنوّع والاستجمام التي يَفتقدونها في العالم، وفي أيّ بلد عربي آخر. ولذلك، صرَفوا كثيراً على لبنان في المجال الاستثماري وغير الاستثماري. وأدار السعوديون كلَّ التسويات في لبنان، «إتفاق الطائف» وقَبله وبعده، ضمن معادلة الـ«سين.سين».

اليوم، هل تَسمح الظروف الطارئة على مستوى الشرق الأوسط والعالم، خصوصاً بعد حروب «الربيع العربي»، في استعادة النمط التقليدي للعلاقة اللبنانية ـ السعودية؟

اللبنانيون يَتوقون إلى ذلك بالتأكيد، لأنّهم الحلقة الأضعف. ويراهن البعض على أنّ عودة الرئيس سعد الحريري إلى السراي الحكومي وإلى زعامة الطائفة السنّية ستُسهّل ذلك. ولكن، يَجدر السؤال: هل السعوديون، الراغبون في أفضل العلاقات مع لبنان، هم في المستوى عينِه من الحماسة إلى استعادة النمطية السابقة من الدعم المالي؟

الطبيعة تَكره الفراغ. وخلال فترة الفتور مع لبنان، استطاع منافسون كثُر أن يحتلّوا موقعَه جزئياً في الخليج، سواء لجهة العمالة الأجنبية هناك أو لجهة الوجهةِ السياحية والاستثمارية. وسيكون أمام لبنان مهمّة شاقّة لاستعادة الموقع المفقود جزئياً، لئلّا يُفقَد كلياً. وبديهيّ أن لا يكون «العناد السياسي» ولا التذاكي مناسبَين لتحقيق هذه الهدف.

وفي أيّ حال، على مدى عشرات السنين، لم يَستثمر المسؤولون اللبنانيون دعمَ السعودية، والخليجيين عموماً، في بناء دولةٍ قوية ومنتِجة، بل أقاموا دولةً قابلة للانهيار. ولذلك، عندما شاءت الظروف أن يتوقّف الدعم، وَقعت الواقعة. فهل تَبدّلت الذهنية في لبنان، قبل السؤال عن التبدُّل في ذهنية الآخرين؟