بمعزل عن التقييمات المتعددة والمتنوعة والمتناقضة في بعضها، لقانون الانتخابات النيابية الذي اقره مجلس النواب باجماع حاضريه ووقعه رئيسا الجمهورية والحكومة، واحيل نصه الى «الجريدة الرسمية» ونشره في «ملحق خاص» يوم امس، فقد عبر لبنان مرحلة دقيقة وهو على ابواب مرحلة جديدة قد لا تكون اقل تعقيدا لكنها بالضرورة اكثر اهمية بالنظر الى الاستحقاقات المقبلة ولعل ابرزها الانتخابات النيابية في ايار ٢٠١٨.
في قناعة عدد غير قليل من المتابعين انه وعلى الرغم عما يحمله القانون الجديد للانتخابات من «مساوئ» و «ثغرات» خصوصا على مستوى التقسيمات الادارية و «االصوت التفضيلي»، الا انه سيحمل في طياته ايجابيات لا يمكن ادارة الظهر لها وتجاهلها، ومن ابرزها طي صفحة ما كان يهدد البلد من شغور او العودة الى قانون الستين، وان كان التمديد حصل تحت العنوان «التقني» خصوصا وان «كل الفاعليات والاحزاب والكتل النيابية اتفقت على القانون لتجنب الوقوع في الفراغ… رغم اقتناع البعض بانه لم يكن على مستوى التطلعات والطموحات التي تخرج لبنان من داء الطائفية والمذهبية والمناطقية.
ليس من شك في ان اقرار القانون جسد «تسوية» بين الافرقاء المؤثرين كافة من «المستقبل» الى «التيار الحر» الى «امل» الى «حزب الله» و «القوات» و»اللقاء الديموقراطي». واخرين من الذين سجلوا اعتراضات «مبدئية» على القانون الا انهم اعلنوا الالتزام به، وذلك من دون ان تعني هذه «التسوية» بالضرورة ولادة تحالفات سياسية جديدة، لاسيما وان عديدين ينتظرون ما ستؤول اليه التطورات في المحيط الاقليمي ليبنى على الشيء مقتضاه..
يعتقد عديدون، ان لبنان امام مرحلة جديدة قد تكون في جانب كبير منها استنساخا للمرحلة السابقة اقرار قانون النسبية حيث لن تشهد الساحة اللبنانية تغييرا بالغ الاهمية في حجم تمثيل القوى السياسية في البرلمان الجديد… والاسابيع والاشهر المقبلة ستكون كافية لبلورة صورة «التحالفات» التي ستنشأ في المناطق اللبنانية كافة، وذلك على رغم العديد من التعقيدات والالتباسات في داخل القانون، التي يراها البعض نسخة عن «الارثوذكسي» فالقانون ليس «مثاليا» لتكون كلمة الفصل النهائية في صناديق الاقتراع… ولعل اخطر ما فيه من نقاط ضعف تلك المتعلقة بــ «الصوت التفضيلي» على مستوى القضاء… وتقسيم الدوائر بالطريقة التي قسمت بها وغياب «وحدة المعايير» حيث ان «اعتماد الصوت التفضيلي على اساس القضاء تشوه النسبية وحولها الى «استنسابية» ما دفع البعض الى القول «ان القانون يشكل خطرا على مستقبل لبنان لانه يعزز الخطاب الطائفي… وهناك من يحمل «حزب الله» المسؤولية …وهناك من يحمل الرئيس نبيه بري المسؤولية… لكن الجميع متفقون على رفض العرقلة والقبول بالامر الواقع، حيث ليس بالامكان افضل ما آلت اليه الامور».
وقد اخذ الافرقاء كافة فرصة اشهر، بل سنوات لانجاز هذا القانون، الذي يفتخر البعض بأنه «صنع في لبنان»… على خلفية شعور الجميع بــ «الهم المشترك».
من المبكر الجزم بما ستؤول اليه التحالفات الانتخابية، التي قد تشهد في بعض المناطق «خلطة» او تخضع للعديد من التبدلات، لكن ما بات واضحا ان اكثر المتضررين والمحرجين من هذا القانون هي الاحزاب السياسية غير الطائفية وغير المذهبية والمنتشرة في المناطق اللبنانية كافة…
وبانتظار انجاز الاجراءات المطلوبة، فان ما لا شك فيه هو ان «التسوية» فتحت الباب واسعا امام تعزيز العلاقات والتفاهمات بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وما يمثل ومن يمثل ورئيس الحكومة سعد الحريري وما يمثل ومن يمثل… وسيجد العهد (رئاسة حكومة) نفسه امام استحقاقات ضاغطة لا بد من معالجتها قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة، وعلى المستويات كافة، الاقتصادية والاجتماعية والانمائية والامنية والاصلاحية الخ… عبر «خطة انقاذية» تنهض بالبلاد، توجب «اصلاح الادارة العامة بتحريرها من الفساد والتدخلات السياسية المبنية على منطق المحسوبيات، وحماية المال العام (وتفعيل دور مجلس النواب في الرقابة والمساءلة والمحاسبة والتشريع) وتطبيق مبدأ الكفاءة والنظافة الاخلاقية والثواب والعقاب في مجال التوظيف.. على ما دعا الى ذلك «اساقفة الكنيسة المارونية ومطارنة الطائفة في لبنان والانتشار… خطة تعيد الى اللبنانيين حقوقهم في الماء والكهرباء والصحة والتعليم والنظافة والبيئة الصحية».
ومع كل ذلك، يبقى الهاجس الامني يتصدر اهتمامات اللبنانيين يوما بعد يوم، ان على المستوى الفردي وان على المستوى الجماعي … وذلك على رغم «الهدوء النسبي» الذي تشهده جرود عرسال والقاع بفعل خطة الجيش اللبناني والتي تعززت اكثر في الايام القليلة الماضية بالتعاون مع سائر الاجهزة الامنية والعسكرية و»القوى الموجودة على الارض وتفعيل آليات جمع المعلومات وتبادلها، لاسيما في العديد من المخيمات حيث لم يعد سرا، وبعد القبض على العديد من الافراد والمجموعات ان الداخل اللبناني بات في صلب اهتمامات هذه الجماعات التي اعدت لسلسلة من الاعمال التخريبية والتفجيرات والاغتيالات في غير منطقة … ناهيك بالتطور الاخير، الذي اخذ بعدا مفتعلا، وتمثل بايواء لبنان للعديد من كوادر حركة «حماس» حيث «الخشية كبيرة من تداعياتها» على ما تقول «مصادر» وتذكر في السياق باستضافة لبنان عام ١٩٧٠ الاف الفلسطينيين الهاربين من الاردن ابان انفجار الصراع بين الجيش والامن الاردنيين والمقاتلين الفلسطينيين…؟!