Site icon IMLebanon

مرحلة جديدة في الحرب السورية

الضربة الأميركية التي أسقطت المقاتلة السورية أدخلت حرب التحالف الدولي ضد «داعش» مرحلة جديدة من المواجهة الأميركية مع روسيا في سورية، فقوات التحالف والأكراد مع قوات عربية أضعفت «داعش» على الأرض في العراق وبدأت تضعفه في الرقة السورية، والضربة الأميركية التي استهدفت مقاتلة الجيش النظامي السوري تشير إلى أن أميركا قررت منع روسيا، وخصوصا حليفها الإيراني، من السيطرة وإدارة الرقة بعد «داعش».

أدرك الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند ذلك، وكانت الدبلوماسية الفرنسية تدفع بقوة فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التفكير المبكر باستراتيجية ما بعد تحرير الرقة من «داعش»، وتحض الجانب الأميركي على منع النظام السوري وحليفتيه إيران وروسيا من تسلم إدارة الرقة، وهو موقف بعيد النظر، لأن مدناً عدة في سورية يقوم النظام بإفراغها من سكانها لاستبدال إيرانيين بهم وتشييع المناطق. أما الآن، فما زالت دبلوماسية الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون بالنسبة إلى سورية في طور إعادة التقويم، ولذلك ليس معروفاً ما هو الموقف الفرنسي، وما إذا كان قد تغير أم لا، فماكرون بدأ عهده -لأسباب غير واضحة- بإبعاد الإعلام الذي ساهم ورحب بانتخابه، والرئيس الفرنسي الشاب الذي اكتسح الساحة السياسية بفوز حزبه «إلى الأمام»، يعتمد نهج «إلى الوراء» في ما يتعلق بمنع فريقه الدبلوماسي أو دبلوماسيي وزارة خارجيته من التكلم وشرح تصوره لخطته الدبلوماسية تجاه سورية، وهذا «الإغلاق» الإعلامي المستغرب من رئيس يريد التحديث، يمنع التحليل الدقيق لما يريده بالنسبة إلى سورية ومرحلة ما بعد «داعش» في الرقة، وهل أنه يوافق التوجه الأميركي بمنع إيران وحلفاء النظام السوري من إدارة الأماكن المحررة، فالمرحلة الآن بالغة الخطورة، كون إرهاب «داعش» لم يعد في مكان واحد وانتقل من الأرض السورية التي كانت بفضل سياسة النظام السوري معقلاً لهذا التنظيم الإرهابي إلى كل مدن الغرب.

إن الأوضاع الأمنية العالمية مع تزايد الإرهاب الأعمى وعدم التمكن من السيطرة عليه تقتضي حلاً جذرياً لحروب المنطقة، فلو تدخلت القوات الأميركية في عهد أوباما في عام ٢٠١٣ وضربت القواعد الجوية لبشار الأسد لما نشأ وتغلغل «داعش» في أراضي سورية. لم يكن هناك حينها تدخل روسي مباشر. والآن، وفيما يتم تحرير مناطق سورية من هذا الوحش الإرهابي «داعش»، لا ينبغي أن تترك هذه المناطق لروسيا وإيران اللتين تعولان على السيطرة على الشرق الأوسط من خلال تواجدهما في سورية، فالضربة الأميركية للمقاتلة السورية قد تكون تنبيهاً لروسيا إلى أن الإدارة الأميركية لن تترك إيران تسرح وتمرح في سورية. تعتمد روسيا لغة التهديد لأنها حامية النظام السوري ومصلحتها في سورية، لكن إدارة ترامب لديها وزير دفاع أميركي قوي وحازم ويعرف المنطقة جيداً، وعلى رغم أنه لا يبحث عن مواجهة عسكرية مع روسيا لكنه يدرك أن الموقف الأميركي الحازم والقوي في مواجهة روسيا ونظام بشار الأسد أفضل من التنازل والتخاذل الذي قدمه جون كيري والرئيس أوباما للجانب الروسي في تعاطيه مع كل من سورية وإيران.

إن الأيام المقبلة وعودة مفاوضات الأطراف السورية التي دعا إليها المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا ستُظهر مدى جدية الجانب الروسي في الضغط على النظام السوري أو تركه يناور ولا يتفاوض على شيء رافضاً مبدأ الانتقال السياسي، فالحرب السورية تحمل في طياتها خطورة مواجهة بين الدول الكبرى، علماً أن روسيا لم تعد بقوة الاتحاد السوفياتي ولكنها تحمي نظاماً إرهابياً مع حليف إيراني مبدع بإرهاب المنطقة العربية منذ ثورة الخميني. إن نهاية الحرب في سورية والحل السياسي مستبعدان طالما الموقف الروسي عازم على حماية هيمنته في هذا البلد وفي المنطقة. والمؤلم أن سقوط الضحايا والنزوح السوري والكوارث الإنسانية ستستمر.