Site icon IMLebanon

نظام سياسي جديد … ثمّ رئاسة

مع الدخول في مرحلة الفراغ الرئاسي، جهدت الأوساط الديبلوماسية الغربية لمعرفة الثمن الحقيقي الذي يريده «حزب الله» لنيل مساعدته الجدّية لإنجاز الإستحقاق الرئاسي.

كانت المحطات الإقليمية الكبيرة وفي طليعتها الملف النووي الإيراني تعطي أملاً للمهتمين بالملف اللبناني بإمكان استثمارها لصالح إنجاز هذا الإستحقاق.

وخلال المرحلة الأخيرة من المفاوضات الأميركية- الإيرانية حول الملف النووي طرح أحد أعضاء الوفد الأميركي موضوع حزب الله، لكن الوفد الإيراني رفض التطرق الى أي ملف خارج نطاق النووي انسجاماً مع تعليمات المسؤولين عنه.

كذلك فإن الزيارات التي قام بها السفير الفرنسي فرنسوا جيرو بطلب من الرئاسة الفرنسية حول الملف اللبناني لم تؤدِّ الى أي تطوّر إيجابي وهذه الزيارات شملت طهران كما «حزب الله».

يومها بدأت العواصم الغربية تتحسب للمشروع الذي يسعى اليه «حزب الله» في لبنان والذي يتمحور حول المؤتمر التأسيسي وبالتالي إعادة إنتاج نظام سياسي جديد في لبنان يتلاءم والتحولات الهائلة للخريطة الجيو- سياسية في لبنان وسوريا.

وكانت مواقف السيد حسن نصرالله المتلاحقة والتي أوردت بوضوح مسألة المؤتمر التأسيسي إضافة الى «عجن» المنطقة تزيد القناعة لدى الغربيين بأن «حزب الله» سلك فعلياً الطريق الذي يصل في نهاية المطاف الى إعادة تكوين السلطة في لبنان من خلال الإهتراء الذي يأكل المؤسسات، ما سيؤدي في نهاية المطاف الى انهيارها والدخول حكماً في ورشة الإتفاق على «الجمهورية الثالثة»، وفي سوريا من خلال وضع حدّ للحرب الدائرة عبر طاولة التسويات.

والربط بين الساحتين اللبنانية والسورية هنا أساسي، لأن الميزان الذي سيزيّن به«حزب الله» الشكل الجديد للسلطتين اللبنانية والسورية سيعتمد المقايضة والمبادلة وعلى أساس المعادلة الواحدة. ولم يكن من باب الصدفة ان يتحدث العماد عون أكثر من مرة عن تعديلات دستورية واسعة تعني الإطاحة بإتفاق الطائف.

العواصم الغربية وفي معرض تواصلها مع السعودية تحدثت عن معارضتها لإسقاط إتفاق الطائف، وبالتالي ضرورة إنقاذ المؤسسات الدستورية اللبنانية من خطر التحلل.

ولذلك أنجزت باريس مع طهران تفاهماً خلال تشكيل الحكومة الحالية لتدير مرحلة الفراغ، وقضى هذا التفاهم بالتزام إيران بالإستقرار الأمني في لبنان والإستقرار الحكومي. من هنا يفهم موقف العواصم الغربية الذي كان مؤيداً لإنجاز تسوية حول التعيينات العسكرية قبل أن يفوت الأوان.

خلال الصيف الماضي، كان الإتفاق النووي قد أنجز وكانت المشاورات قائمة بين الرياض والعواصم الغربية حول الخشية من استمرار الفراغ في لبنان، وبالتالي دفعه رويداً رويداً باتجاه المؤتمر التأسيسي كخيار وحيد وربطه بسلة واحدة مع الحلول المطروحة لسوريا.

في هذا الوقت كانت المشاورات قد بدأت للدخول الجوّي الروسي في سوريا، وساد مناخ بأنه يمكن استغلال هذا التطور الجديد لصالح تمرير تسوية جانبية في لبنان بعد التفاهم على العناوين الكبرى في سوريا، ومنها مصير الرئيس السوري بشار الاسد.

وقيل إن باريس وجدت في طرح وصول سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية فكرة ممتازة على أساس أنها تشكل عامل اطمئنان لحزب الله، وفي الوقت نفسه إنقاذ اتفاق الطائف، خصوصاً وإن فرنجية جاهر أكثر من مرة بتمسّكه بالطائف على عكس العماد عون المؤيد لفكرة الإنتقال الى الجمهورية الثالثة.

وكان من المفترض أن تشكل زيارة الرئيس الايراني الى باريس فرصة ممتازة لطرح هذه التسوية التي حرصت باريس على إبقائها سرية بالكامل.

لكن الزيارة ألغتها الإعتداءات الإرهابية التي ضربت قلب العاصمة الفرنسية، والأهم ان المشروع انكشف على وسائل الإعلام بعد تسريب خبر اللقاء بين الحريري وفرنجية.

في عزّ الصيف الماضي، رتبت موسكو زيارة للواء علي مملوك الى السعودية، حيث التقى بولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. لكن تسريب الخبر الى وسائل الإعلام جمّد مساراً كان يمكن ان يبدأ.

الأوساط الديبلوماسية الغربية مقتنعة بان إيران والتي تولّت التسريب من خلال وسائل إعلامية لبنانية، أرادت إرسال رسالة إعتراض بأن الأوان لم يحن بعد لإنجاز تسويات في سوريا بمعزل عنها. فإيران كانت وما تزال تنتظر السعودية لتبدأ معها مفاوضات مباشرة حول كامل المنطقة.

وبالأمس، جرى توجيه الرسالة نفسها من خلال كشف لقاء باريس. وحسب أوساط ديبلوماسية، فإن مضمون الرسالة هو رفض أي تسويات جزئية في لبنان، وإن المطلوب تسويات شاملة وأوسع بكثير مما هو مطروح.

ولا حاجة للتذكير مجدداً بأن فرنجية كان قد وضع أمين عام حزب الله في أجواء التواصل الحاصل معه. لكن السيد نصرالله نصحه بالتروي والحذر، ربما لأنه يدرك بأن هدف الفريق الآخر حشره بتبنّي ترشيح فرنجية وإبقاء «نظام الطائف» على قيد الحياة.

وفيما يجهد البعض في تأمين النصاب العددي، فإن الأوساط الديبلوماسية نفسها بدأت تتيقن السبب الفعلي لاعتراض حزب الله من خلال تمسكه بترشيح العماد عون.

وسمع هؤلاء بالتواتر أن وصول فرنجية من دون حصول تغييرات جذرية في النظام السياسي اللبناني قد يجعل فرنجية مكبلاً رغم اعتراف الجميع بأنه رئيس قوي لا بل قوي جداً، ويعطي هؤلاء مقاربة الرئيس إميل لحود الذي كان قوياً ومسنوداً من غالبية نيابية ومتكئاً على الوجود السوري في لبنان، ورغم ذلك كانت فعاليته محدودة في وجه الرئيس رفيق الحريري والمجموعة الوزارية معه.

أما اليوم، فإن فرنجية سيصل الى رئاسة الجمهورية وهنالك أكثرية نيابية ليست لصالحه، وستبقى كذلك في ظل قانون الإنتخابات الحالي، فيما رئاسة الحكومة لسعد الحريري ومعه أكثرية وزارية، وحسب هؤلاء فإنه لا بد من إعادة تكوين النظام السياسي اللبناني ليصبح ترجمة حقيقية للمعادلة الموجودة على الارض، وان يكون المدخل الى ذلك قانون انتخابي جديد يقوم على النسبية.

وعندما أطلق السيد حسن نصرالله مبادرته كان واضحاً بإيراد البند المتعلق بقانون جديد للإنتخابات النيابية «لأن هذه الإنتخابات تغيّر وجه البلد» كما قال يومها.

فنظامنا هو برلماني، أي إن مجلس النواب يشكّل البنية التحتية لهذا النظام، واذا كان لا بد من تغييره فإن ذلك يكون من خلال مجلس نواب وفق أسس جديدة، طالما أن طرح الدخول مباشرة في مؤتمر تأسيسي كان قاسياً على الرأي العام وأخاف كثيرين، وبالتالي فإن الأزمة لم تعد وفق حسابات حزب الله أزمة رئاسة، بل هي أزمة نظام سياسي، ومن يضع حساباته وفق معادلة أخرى يصل الى استنتاجات خاطئة.