IMLebanon

نقلة جديدة لـ«الكتائب»

إعلان رئيس حزب «الكتائب» الرئيس أمين الجميّل عدم ترشّحه لرئاسة الحزب لولاية جديدة لم يشكّل مفاجأة سياسية، لأنه كان قد تمّ التمهيد لهذه الخطوة إعلامياً، ولكن تحوّلها إلى واقع سياسي شيء مختلف تماماً ويعني أنّ العد العكسي لاستلام النائب سامي الجميّل رئاسة الحزب قد بدأ. فهل تستعيد الكتائب مع سامي وَهجها وتألّقها وحضورها المميّز مسيحياً ووطنياً؟

الكتائب أمام فرصة جديدة، وستدخل مع سامي في مرحلة مختلفة. فكلّ مَن عرف النائب الشاب يعرف انه يملك رؤية واضحة ومشروعاً متكاملاً. الاختلاف معه أو الاتفاق ليس بيت القصيد، بل الأساس هو انه يعرف تماماً ماذا يريد، ولديه إجابة واضحة عن السؤال الشهير لجدّه مؤسّس الكتائب الشيخ بيار الجميل: «أيّ لبنان نريد»؟

فالخلاف الفعلي في لبنان لم يكن يوماً حول امتيازات شكلية، أو صراعات سلطوية ومقاعد رئاسية ووزارية ونيابية، بل كان جوهر هذا الخلاف حول «أيّ لبنان نريد»؟، هل نريد لبنان ساحة للمحاور الإقليمية والدولية وتجاذباتها وصراعاتها، أم لبنان المحَيّد عن هذه الصراعات على قاعدة الأولوية للبنان والدولة اللبنانية؟

وقد شكّلت الكتائب الرافعة الأساسية للخيار اللبناني منذ لحظة تأسيسها، وأدّت دوراً طليعياً في الدفاع عن هذا الخيار سياسياً وعسكرياً من ثورة العام ١٩٥٨ إلى حرب العام ١٩٧٥. وإذا كانت الحروب والتحولات قد فعلت فعلها في الكتائب، وهذا أمر بديهي وطبيعي، إلّا انّ قوتها تكمن في قدرتها على الاستمرارية، بمعزل عن تراجع دورها وحجمها، حيث انها لم تخرج يوماً من المعادلة المسيحية-الوطنية، ولم تصبح فقط جزءاً من التاريخ والماضي، بل كانت لاعباً أساسياً في تاريخ لبنان وصناعة أحداثه، وما زالت شريكة في تقرير مصير البلد واتجاهاته وخياراته.

ولعلّ مسؤولية النائب سامي الجميّل تكمن، بعد ترؤسه للكتائب، في مدى قدرته على إعادة تجديد دور الحزب وجعله أكثر فعالية وتأثيراً على الساحتين المسيحية والوطنية، هذا الدور الذي كان بدأ الشهيد بيار الجميّل التمهيد والتحضير له، والذي لا يمكن الاستخفاف بالتحديات التي تواجهه، وتَتمثّل بالآتي:

أولاً، شهدت الساحة المسيحية انقساماً عمودياً منذ الخروج السوري من لبنان في العام ٢٠٠٥ بين مشروعين وتوجهين، وعلى رغم ثبات الكتائب في صلب المشروع السيادي والاستقلالي، إلّا أنها لم تشكل رأس حربة هذا التوجّه التي توَلّتها القوات اللبنانية.

ثانياً، تأرجحَت الكتائب بين تَبدية البعد المسيحي على البعد الوطني-الإقليمي للصراع، وبين تَبدية البعد الأخير على البعد المسيحي، فأعطت انطباعاً وكأنها تتقدّم وطنياً لحظة إعطاء القوات الأولوية المسيحية، وتتقدم مسيحياً لحظة إعطاء القوات الأولوية الوطنية، الأمر الذي أساء للكتائب، لأنه صَوّرها وكأنّ وظيفتها التحرّك في الاتجاه المعاكس للقوات من ضمن مساحة ١٤ آذار.

ثالثاً، قادت الكتائب تاريخياً الخط السياسي المسيحي-الوطني المدافع عن دور لبنان واستقلاله إلى أن صعد نجم القوّات مع مؤسسها الرئيس بشير الجميّل ومن ثم مع الدكتور سمير جعجع وصولاً إلى هذه اللحظة، وبالتالي الكتائب أمام خيارَين اليوم: إمّا المنافسة مع القوات بالعناوين والشعارات نفسها، وإمّا التمايز عنها على قاعدة مشروع متكامل وواضح المعالم، وليس غبّ الطلب ووفق اللحظة السياسية.

رابعاً، إعادة تألّق الكتائب يتوقف على معطيين سياسي وتنظيمي: ففي المعطى السياسي يشكّل الوضوح المدخل الأساس للعبور إلى عقول الناس ووجدانها، ما يعني أن تحدد رؤيتها للبعد السيادي والدور المسيحي والشراكة الوطنية وشكل النظام السياسي، وأن تستنهِض الرأي العام على أساس هذه العناوين.

فوصول سامي إلى الرئاسة لا يشكّل وحده الصدمة الإيجابية المطلوبة على مستوى التجديد والتغيير، إنما يفترض ان يترافق مع رؤية سياسية متكاملة تضع حداً فاصلاً بين مرحلة ما قبل وصوله وما بعدها، وهذا لا يعني الانقلاب أو التشكيك بالخط القائم وضرورة استمراريته، بل المقصود قيادة الكتائب على أساس المشروع الذي سيحمله الرئيس الجديد ويعمل على تطبيقه.

وهذه الفرصة لا تتكرر مرتين، بمعنى أنّ مشهدية تسلّمه الرئاسة لا تدوم، بل ستتحوّل إلى مشهد مألوف بعد أقلّ من أسبوع في ظل المعمعة السياسية الداخلية، وبالتالي الدينامية أو الدفع الذي يمكن ان تشكّله هذه المحطة يَكمن في العناوين التي سيطرحها.

وعلى المستوى التنظيمي، فهناك ورشة لا بد منها لإعادة ضَخّ دم جديد، وإشراك أوسع مساحة ممكنة من الكتائبيين في بلورة الاتجاهات الجديدة وفي صناعة القرار، وإظهار القدرة على استيعاب الجميع، والتعامل بليونة مع التيارات الحزبية، إذا وجدت، داخل الحزب، لأنها تولّد دينامية إيجابية وحيوية نضالية وتعددية وتنوّعاً.

خامساً، التحدي الأساس مع الرئيس الجديد يكمن في جذب الشباب والجيل الجديد الذي ابتعد عن الكتائب ولم يعد يرى فيها الصورة القديمة التي طُبعت بأذهان شرائح واسعة من المسيحيين تحت عنوان «عندما تشعر بالخطر، بمَن تفكر»؟،

وبالتالي التحدي الأكبر ليس بالحفاظ على الحَرس القديم أو الجسم الحالي الذي هو من البديهيات، بل بالقدرة على استقطاب فئتين أساسيتين: الشباب والنُخَب، خصوصاً في ظل محاولات «شَيطنة» الأحزاب الجارية على قدم وساق.

سادساً، الإدارة السياسية للكتائب مع الحلفاء والخصوم تشكل معطى أساسياً لا يفترض الاستخفاف به، لأنّ البعد المسيحي، على أهميته، غير كاف في حال لم يُدَعّم بتحالفات وطنية قادرة على إحياء الميثاق وتجديد التجربة اللبنانية.

وإذا كان من الطبيعي ان يشكّل تَسَلّم سامي الجميّل مقاليد القيادة نقلة جديدة، فإنّ التحدي يكمن في نوعية هذه النقلة وقدرتها على إعادة الكتائب الى موقع الفعل والتأثير. فكلّ الأنظار على الفارق الذي سيُحدثه بعد تسَلّمه القيادة، والقيمة المضافة التي سيشكّلها كتائبياً ومسيحياً ووطنياً…