بقدر ما يمثل إنقاذ مدينة تدمر من براثن “داعش” انتصاراً لروسيا، يشكل هذا الحدث دليلاً آخر على فشل سياسة الادارة الأميركية في سوريا. فالتحالف الدولي الذي تزعّمه أوباما متوعداً، بأنه سيضعف “الدولة الإسلامية” تمهيداً للقضاء عليها، يحصي منذ أكثر من سنة، الطلعات والأهداف التي يقصفها من غير أن يتمكن من توجيه ضربة قاسية الى هذا التنظيم الذي يفتك بمناطق شاسعة من سوريا والعراق، ويمد ارهابه الى ما راء الحدود وصولاً الى أوروبا وأميركا.
وبالطبع لا يقتصر الفشل الأميركي على محاربة “داعش”. فتباهي أوباما في مقابلته مع جيفري غولدبرغ بأن لديه جيشاً من “المتمردين” يضم عشرة آلاف مقاتل تحت إمرة “السي آي إي” في سوريا يقاتلون الإرهابيين، لم يقنع أحداً. وزادت الشكوك في هذا الادعاء الشهادات التي أوردتها صحيفة “لوس أنجلس تايمس” عن تبادل للنار بين وحدات دربتها “السي آي إي” وأخرى دربتها وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، على المشارف الشمالية لحلب، بما فيها الشيخ مقصود وأعزاز وغيرهما، الأمر الذي يفضح فشل واشنطن في التنسيق بين المجموعات التي تقول إنها دربتها.
لا يحتاج برنامج التدريب الذي أشرف عليه “البنتاغون” الى شهادة على فشله، بعدما أنفقت واشنطن ملايين الدولارات عليه ودفعت عناصره الى المعركة دونما حماية، ليواجهوا انتكاسات محرجة شملت مكامن وتسليم ذخائر وشاحنات أميركية الى “جبهة النصرة”.
في حينه، استدركت واشنطن خطأها، ولو متأخرة، معلنة صرف النظر عن هذا البرنامج، إلا أن الرئيس الاميركي يفكر على ما يبدو في إعادة العمل به، إذ أقر في وقت سابق من هذا الشهر خطة جديدة لـ”البنتاغون” من أجل تدريب المعارضة السورية وتسليحها.
أما فضيحة “الفرقة 30” (التي دربها “البنتاغون”) فصارت فضيحتين بعد انكشاف التقاتل بين “المتخرجين” وعجز ضباط الاستخبارات والمخططين العسكريين الأميركيين عن السيطرة على المجموعات التي درّبوها وموّلوها خلال السنوات الأخيرة، مما دفع محللين الى القول إن أميركا تقاتل نفسها في سوريا.
حتى “قوات سوريا الديموقراطية” التي ساهمت واشنطن في تشكيلها لم تحظ بدعم أميركي كاف يتيح لها مواجهة “داعش”، بعدما أثار الطابع الكردي لهذه القوات حفيظة تركيا.
إزاء هذا الارتباك وهذا الفشل الاميركيين في الميدان السوري، من الغريب تبجح مسؤولين في إدارة أوباما في مقابلة غولدبرغ، بمقاربة أميركية شاملة لمكافحة الإرهاب، ومقاتلات بلا طيار و”عشرة آلاف جندي” تديرهم واشنطن في سوريا. ترسانة كهذه كانت كفيلة بدحر “داعش” لا من تدمر فحسب، وإنما من سوريا كلها والعراق أيضاً، لو اقترنت بالتزام أميركي حقيقي حيال سوريا.