IMLebanon

عالم جديد… أم يتجدّد؟

اعتبرت زعيمة حزب الجبهة الوطنية، اليمين المتطرّف في فرنسا، ماري لوبان فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، حجرَ أساس لبناء «عالم جديد»، سيأخذ مكان العالم القديم. لقد أشادت بانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وذلك في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».

ويدعم قولها هذا، دخول اليمين المتطرّف البيت الأبيض ممثلاً بستيف بانون الذي عُيّن مستشار التخطيط الاستراتيجي. وهو صاحب موقع «بريتبارت» المثير للجدل، وأحد أبرز دعاة «اليمين البديل»، وهي حركة تعتنق الأفكار القومية.

عالمنا اليوم، يعيش حالاً من التخبّط والذهول والإنتظار، لما ستحمله الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية، مع وصول الرئيس ترامب إلى سدّة الرئاسة. بما ما يمثّله هذا الرئيس من فكر ذات طابع إنعزالي حاكى به الناخب الأميركي.

دخل العالم منذ نجاح الثورة البولشفية في روسيا عام 1917، صراعاً أيديولوجياً بين النظامين الديموقراطي والشيوعي. وفي ثلاثينات القرن الماضي، وصلت إلى بعض الدول الأوروبية أنظمة ذات أيديولوجيات شمولية- أوتوقراطية، كالنازية في ألمانيا، والفاشية في إيطاليا، وغيرها.

ومن خلالها دخل العالم في حرب عالمية ثانية، أنتج قطبين عملاقين الأوّل ليبرالي متمثّل في الولايات المتحدة، والثاني شيوعي متمثّل في الإتحاد السوفياتي.

استغلّت الولايات المتحدة النظام العالمي الجديد، وفرضت عليه أيديولوجيّتها البراغماتية المبنية على أساس تسليع الإنسان، وتدمير إنسانيّته تحت عنوان تحقيق الأرباح، وتكديس الأموال. الأمر الذي وضع العالم أمام مجموعة من التحوّلات الجديدة المفاجئة، في ظلّ مسارات مغايرة وجد المحلّلون فيه طريقاً تميهدياً لبروز «العالم الجديد».

أما في أبرز هذه التحوّلات نجد:

– وصول دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة، حاملاً شعار «أميركا أوّلاً». الذي سيعيد السياسة الأميركية إلى الداخل الأميركي، بعد أن انفلشت خارجياً. الأمر الذي اعتبره الرئيس الجديد فشلاً للديمقراطيين، وقد عبّر عن ذلك في أكثر من موقف.

– خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، إثر استفتاء قامت به المملكة عام 2016. هذا الخروج الذي شكّل مفاجأة غير سارّة للحلفاء قبل الخصوم. الأمر الذي دعم الموقف القومي، ورفع أيضاً شعار «بريطانيا أوّلاً».

– الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسعيه عبر القوة العسكرية، لإعادة إحياء القومية الروسية، التي سُحقت بعد سقوط الإتحاد السوفياتي. فعمل على الدفاع عن المصالح الروسية في منطقة الشرق الأوسط، محاولاً عدم سقوطها في يد الليبرالية المتوحّشة.

– نتائج الإنتخابات في أكثر من دولة أوروبية، خصوصاً فرنسا، حيث أعطت تقدّماً واضحاً للفكر القومي. ففي إنتخابات البرلمان الأوروبي في عام 2014 قادت «مارين لوبان» الجبهة الوطنية لتحقيق فوز تاريخي وحصولها على ثلث المقاعد المخصّصة لفرنسا داخل البرلمان الأوروبي.

لم يكن هذا التحوّل وليد صدفة، بل هو نتيجة عوامل مختلفة، طالت مختلف الدول. وأبرزها:

– حركة النزوح والهجرة، التي عرفتها أوروبا عبر البوابة التركية. حيث الملايين من النازحين الهاربين من دولهم، والحالمين باستيطان الدول الجديدة.

– تفشّي الإرهاب الدولي، الذي طالت خطورته جميع الدول دون استثناء. هذا الإرهاب الذي انتشر نتيجة تداخل الأيديولوجيات الرفضية للأخرى.

– الترويج الإعلامي للإسلاموفوبيا، التي شكّلت سياسة رعب عند الكثيرين من المواطنين في الكثير من الدول الغربية. هذا الفكر الذي تمثّل في حركات التطرّف الإسلامية، امثال داعش، وهو صنيعة استخبارات الدول المستفيدة من صعوده.

– استغلال الإنسان، واحتقاره من قبل جشع الليبراليين، رؤوس الأموال. فلم تعد للقيمة الإنسانية أيّ أهيمة، بل تمّ استبدالها بمفاهيم الجشع، والسلطة، والجنس لتبرير أعمال الدول التعسّفية.

– سياسات الغرب تجاه الدول النامية، من خلال استغلال قوتها العاملة، وجعلها عبدة تسيير شركاتها. الأمر الذي ولّد كرهاً عميقاً، تُرجم بالكثير من النزاعات بين الدول.

لم يعد العالم يخضع للمنظومة الليبرالية، التي سيطرت على الفكر العالمي. بل أصبح الدفاع عن الوجود حاجة لتلك العقائد من الزوال والسحق على يد الاستعمار الأمبريالي. هذا ما ينذر بوجود أزمة فكر عالمية، لن تكون «نهاية التاريخ» كما ذكر المفكر الأميركي فوكوياما مع بسط السيطرة الليبرالية على الدول.

ولن يكون ولادةً لعالم جديد كما اعتبرته الزعيمة الفرنسية لوبان. بل إنه صراع أيديولوجي سيكون الأشرس بين الدول، والأصعب عليها. خصوصاً أن لا رادع لها، لأنّها تدافع عن مبادئها من الإندثار.