Site icon IMLebanon

انتفاضة بابوية – بطريركية حصيلتها في جعبة الرئيس عون

 

بكل استغراب بل وبكل استهجان، يتعامل العالم بأسره مع الأزمة اللبنانية التي تتدحرج نزولا إلى درجة استفحل فيها الوضع اللبناني إلى حدود التلاشي والانحلال. ها هو على سبيل المثال، وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان يضرب كفا بكف ويأسف على ما وصل إليه الوضع اللبناني من انحدارية عجيبة غريبة لم تفلح صيحات العالم كله في تصويب منهجيتها المعاكسة والمشاكسة والسائرة عكس التيارات الإصلاحية والمنطقية والرافضة لكل المبادرات الإصلاحية السالفة التي تبدت ملامحها في مشروع انطلاقة ما لتصحيح الأوضاع، وجميعها كانت تسمي للمراجعين والمهتمين عدة شروط لا بد من تحقيقها ليكون هناك تثمير لسيدر ولمفاوضات البنك الدولي، وفي طليعتها الظاهرية والواضحة والمطلوبة من «أمنا الحنون» ومن بقية «الأمهات» قضية الكهرباء التي ما زالت حتى الآن تغوص مع متفرقاتها في إطارات من الغموض والتمويه والإصرار على إبقاء خطوطها وخيوطها الأساسية في اليد نفسها التي تمسك بجنباتها وتشد في الوقت نفسه على خناق الوطن.

 

وزير الخارجية الفرنسي أعلن عن زيارة قريبة له للبنان، وقد تبين من تصريحاته أنها ستكون زيارة «توبيخ» على الأحوال غير المعقولة التي وصل إليها الوضع اللبناني وأنه يستحيل على أي كان بمن فيهم فرنسا القيام بأي إجراء إيجابي ما لم تبدأ عمليات الإصلاح بصورة جدية.

 

ويبدو من الزيارة التي قام بها مدير عام الأمن العام إلى الكويت طالبا النجدة السريعة من خلال تغطية مالية للأوضاع الاقتصادية والمالية السيئة التي يمر بها لبنان، أنها قد فشلت سلفا رغم بعض التلاميح الإيجابية التي تبيّن أنها لم تكن إلاّ سرابا بسراب.

 

غريب هذا العناد الشرس، في مواجهة الإصرار الدولي على المباشرة الحقيقية والفعلية في تحقيق الإصلاحات! وها هي الأمور تستفحل في كل الوجهات والإطارات بما فيه المالية والاقتصادية التي أوصلت البلاد إلى حضيض الحضيض وإلى مراحل متأزمة بالجوع والفقر والبطالة والضياع من عالم لم تكن تنقصه إلا الكورونا لتزيد من أحواله تفاقما وانهيارا. في غمار هذا التضارب الهائل في الأوضاع والأحوال يجيء موقف بكركي وتصريح غبطة البطريرك الراعي ولواحقه، والذي يدعو في ملخصه إلى حياد لبنان حيادا إيجابيا وإلى نأي البلاد بنفسها عن أوضاع المنطقة التي تشتد الأزمة من حول عنقها وأنفاسها وتكاد أن تقضي بالبلد وأهله ومقوماته. ويماثل غبطة البطريرك في تصوراته ومواقفه ومطالبه، ما صدر عن المطران عودة، الذي أطلق صفارات الإنذار بشدة وعمق، محذرا من سلسلة من الانحدارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المقبلة والتي لا تبشر بأي خير من أي نوع كان، وليس خفيا أن وراء الأكمة والاقتراحات والمطالب ما وراءها من تحريك وتحرّك فاتيكاني الذي ساءته أوضاع لبنان وما طاولها من تحكم برقاب اللبنانيين من قوى إقليمية، انطلقت إلى بلادنا من واقع امبراطورية غريبة، تستغل لبنان بكل طاقاته العقائدية والمذهبية لتحقيق مطامحها التي لا تستند إلى حدود ولا إلى سدود دون أن تحد من أطماعها التي تطاول المنطقة بأسرها وفي طليعتها بلدان الخليج العربي ممثلة خاصة بالمملكة العربية السعودية، وانطلاقا من تحركات الأجواء المسيحية عمدت بعض الأوساط إلى إبراز دور منتظر من دار الفتوى في إطار حماية لبنان والدفع به إلى المواقع الإسلامية والوطنية الصلبة، جريا على ما كانت عليه أوضاع القيادة الإسلامية في مرحلة سالفة من تاريخ لبنان كان فيها سماحة الشيخ حسن خالد، لولبا للقاءات الإسلامية والوطنية العليا والتي كانت تحركا وطنيا أساسيا كانت له أنفال كبرى تركت آثارها البليغة في وضعية العمل الوطني.

 

من هنا ندعو إلى حراك وطني شامل، يضم إليه ما أمكن من لقاءات فاعلة للأنشطة الوطنية كافة، توطئة لما يتمناه المواطنون جميعا من تحريك لهذه الأوضاع الخطيرة التي تخفي تحت رمادها خلفية تحرك شعبي فاعل وشامل، يتجاوز صغائر الأوضاع وتتناول لبّ المشاكل المتفاقمة التي تكاد أن تقضي على ما تبقى من حياة لبنان واللبنانيين. فلننظر جميعا بعين الحذر والتحسب والوعي الوطني الشامل، منتبهين بشكل خاص لحراك شبابنا الذي باتت تساوره بشكل حاد جموحات حماسية متطورة إلى الهجرة من هذا الوطن المنكوب الذي سرقوا منه كل خيراته وثرواته ولم يتركوا لأهله، خاصة للجيل الصاعد من أبنائه، إلاّ موجات من الهلع والتحسب واليأس تجاه أوضاع باتت تتجاوز كل الإمكانيات وكل الطاقات المؤدية إلى أي نوع من الإنقاذ والخلاص، فلنستمع بإمعان إلى كلمة غبطة البطريرك المتكررة في الشأن الوطني العام، لعل فيها ما ينفع المؤمنين والوطنيين ويلهم المانعين والممانعين حسن القرار.