Site icon IMLebanon

أزمة عابرة… أم مفتوحة؟

الأحداث الأخيرة في ايران صاغت سؤالاً بكل اللغات العربية والاجنبية؟ ماذا يجري هناك؟

العالم كله يراقب الحدث الإيراني، حلفاء ايران لا يقاربون تلك الاحداث وما يرافقها من تحركات وتظاهرات وعنف وقتلى كحدث عابر، ثمّة قلق جدي لدى الحلفاء من أن تبلغ الامور حداً تنعدم فيه إمكانية ضبطها او احتوائها ومنع انفلاشها.

ولعلّ مبعث القلق الاساس يأتي من:

اولاً، إنطلاق شرارة الاحداث في مدينة مشهد التي لها رمزية معينة، ومن ثم توسّعها الى العاصمة طهران ومدن ايرانية اخرى، وبوتيرة عنيفة سقط خلالها قتلى وجرحى وموقوفون مع شعارات «الموت لروحاني» و«الموت للديكتاتور».

ثانياً، الترحيب الإسرائيلي الفوري على لسان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو المُتناغِم مع الموقف الاميركي الذي عبّر عنه الرئيس الاميركي دونالد ترامب بإعلانه انّ وقت التغيير في ايران قد حان.

ثالثا، المواكبة الحثيثة للاعلام المعادي لايران وتغطية التحركات الجارية، وتقديمها كمؤشّر انتقال للمعركة الى الداخل الايراني، على نحو ما سبق وورد على لسان بعض زعماء الدول المعادية لايران، ومن بينهم عرب.

رابعاً، تغليب أعداء ايران لفرضية المخاض الآتي بمتغيّرات جذرية في هذا البلد، وبدء الحديث عمّا يسمّى «ربيع طهران»، وخريف على كل دول المحور الذي تنتمي اليه الجمهورية الاسلامية.

خامساً، إعلان السلطات الايرانية انّ ما يجري له بُعد خارجي، وهو ما عبّر عنه الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني، وكذلك مرشد الثورة الاسلامية السيد علي خامنئي بقوله «الأعداء يثيرون التوتر في ايران، يستخدمون المال والسلاح وعملاء المخابرات».

أحد الخبراء في الشأن الايراني يشير الى مجموعة عناصر مرتبطة بالازمة الحالية، هي:


العنصر الاول، هناك مشكلة جدية في الموضوع الاقتصادي لا احد يستطيع ان ينكر ذلك، وخروج اولى التظاهرات والتحركات في مدينة مشهد مَردّه الى انّ شركة معينة قد أفلست وفيها ما يزيد عن 180 ألف مساهم من صغار الكمية، بالاضافة الى إفلاس او تعثّر احد المصارف الكبرى. وامّا الدولة في المقابل فقَصّرت في العلاج، علماً انّ روحاني بَنى كل سياسته الاقتصادية على قاعدة التفاهم مع الغرب على الملف النووي والانفتاح الذي يقترن برفع العقوبات وتحرير الاقتصاد، وهو ما لم يتمّ بل فشلَ الرهان وتعرّض الاقتصاد الايراني لضغط كبير تعرّضت فيه العملة الايرانية لتراجع أكثر من مرة.


العنصر الثاني، الحركة المتزايدة في الآونة الاخيرة للرئيس الايراني السابق محمود احمدي نجاد، مع التيار المحافظ المؤيّد له، والتي ارتفعت وتيرتها منذ منعه من الترشح للرئاسة الايرانية. يضاف الى ذلك ما تعرض له صهره وتوجيه اتهامات بالفساد إليه، وتَبع ذلك جولات لنجاد في اكثر من مكان في ايران محرّضاً فيها ضد النظام، محاولاً بذلك إعادة استنساخ حركة مير حسين موسوي الاعتراضية على نجاد نفسه في 2008-2009، والتي سمّيت آنذاك بالمسيرات الخضراء التي تمّ احتواؤها بصعوبة بعدما كادت تطيح إيران في ذلك الوقت، ما يعني انّ نجاد يتصرّف اليوم مع روحاني كما تصرّف مير حسين موسوي معه حينما حاول إسقاطه.


العنصر الثالث، تَحَيّن «المعارضات» الايرانية على اختلافها أيّ فرصة للتحرك ضد النظام من جماعة الشاه، ومسعود رجوي و»مجاهدي خلق» الى كل المعارضات المستترة الجاهزة في كل لحظة للتحرك ضد النظام.


العنصر الرابع، الخارج الغربي والعربي الذي يرى في ايران عدواً يجب الخلاص منه إن كان في خارج حدودها او من خلال ضربها من داخلها بنقل المعركة الى قلبها.

كل هذه العناصر تبدو مشتتة وغير مجتمعة، يقول الخبير المذكور، لكن إن تضافرت جميعها فإنها ترفع الازمة الحالية الى مستوى خطير يضع القيادة الايرانية امام اختبار صعب، ويفتح هذه الازمة على شتى الاحتمالات السلبية.

كيف هي الصورة الآن؟

حتى الآن، والكلام للخبير في الشأن الايراني، تبدو عناصر مفاقمة الازمة مشتتة، كل منها يحاول تعزيز اوراق قوّته. وبالتالي، لا تشكّل «قوة واحدة» بل قوى متفرّقة لكل منها حدودها وحجمها. ولعل هذا ما يدفع القيادة الايرانية الى القول إنّ الامور حتى الآن تحت السيطرة، وليس عبثاً ان يعلن «الحرس الثوري» تقديره للموقف والقول إنّ الوضع تحت السيطرة، ولا يستدعي تدخّله.

واذا ما عدنا الى حركة مير حسين موسوي في العام 2009 فلا يمكن قياسها مع الحركة الاعتراضية الحالية، في ذلك الوقت كانت هناك رموز كبيرة مثل موسوي وكروبي وخاتمي، امّا في الحالة الايرانية الراهنة، فلا وجود لمثل هؤلاء.

الأكثر وضوحاً في الحالة الايرانية الراهنة، يقول الخبير المذكور، يبدو البُعد الخارجي هو الغالب عليها اكثر من اي بُعد آخر، بدليل انّ التحركات تجاوزت سريعاً مشكلة شركة أفلست في مشهد ومصرف تعثّر او أفلس، وانتقلت الى رفع الشعار لاسقاط النظام والهتاف للشاه، والهجوم على سوريا و«حزب الله» والدعوة الى التدخل الاميركي.

واللافت للانتباه، في كلام الخبير في الشأن الايراني، انه من السذاجة الحديث عن قدرة النظام الايراني على معالجة فورية وجذرية لِما يجري، قد يفترض هذا النظام انه كما استطاع ان يتجاوز تجربة 2009 سيستطيع استيعاب تجربة 2018، وهذا ما قد يجعله يذهب الى معالجة بطريقتين مختلفتين، أي الشدة واللين في وقت واحد. اللين في التعاطي مع المطالب الشعبية في الملف الاقتصادي، والشروع فوراً في المعالجات الجذرية.

والشدة في التعاطي مع أحداث وتحركات وتظاهرات ذات طابع استخباراتي وخارجي. ولكن في كلا الحالين هل سيتمكن من الاستيعاب الجاري للأزمة؟ لا احد يعلم!

لبنانياً، ثمّة من بَكّر بالحديث عن «ربيع طهران»، وانّ المعركة انتقلت فعلاً الى داخل ايران. وثمّة من بدأ يرسم سيناريوهات واستنتاجات ودراسات وحتى خيارات، وثمّة من بدأ يسأل عن مصير «حزب الله» ومدى تأثره بما يجري في الدولة الراعية له؟

وثمّة من يجيب: «إنتظروا الجواب على لسان الامين العام للحزب السيّد حسن نصرالله في مقابلته التلفزيونية (اليوم).

ويضيف اصحاب هذا الكلام: «لا نقلّل من خطورة ما يجري في ايران، ولكن بمناسبة الحديث عن «ربيع طهران» فـ«ربيع دمشق» انتهى الى كابوس على مستوى المنطقة كلها، وسرعان ما سقط وتقدّم محور على محور، ودمشق كانت مع المحور المتقدّم وايران ايضاً.

في ذلك الوقت، كانت دمشق شبه وحيدة لا بل مُستفردة. امّا الآن فهي ضمن محور استراتيجي يعتبر نفسه منتصراً ويمتد من دمشق الى موسكو، وتشكل طهران أساساً فيه.

وأيّ خلل يصيب أيّاً من اركانه كأنما يصيب كل الاركان، ويؤدي في نهاية الامر الى تهديم كل ما بني عليه وحقّقه منذ الدخول الروسي المباشر في الازمة السورية في العام 2011 وحتى اليوم.

 

واذا كانت إيران عاجزة او تجد صعوبة في مواجهة ما قد يسمّى «ربيع طهران»، فهل يمكن للروس ان يقفوا مكتوفي الايدي ويتركوا ايران وحدها؟ بالتأكيد انّ الجواب سيأتي في القادم من الايام!