بين تركيا و «8 و14 آذار» والحسابات الداخلية
مئوية المجازر الأرمنية في نسختها اللبنانية
على أبواب الذكرى المئوية الأولى للمجازر الأرمنية، يشعر كثر من اللبنانيين ذوي الاصول الارمنية أن تمييزاً سلبياً يطالهم.
صحيح أن لكل طائفة في لبنان حساسياتها وهواجسها وحساباتها، إلا أن الأرمن عموماً يعتبرون انهم اكثر الطوائف «لبنانية» وحرصاً على البلد ومصالحه ومستقبله. ومع ذلك، يتم التعامل معهم، في كثير من الاحيان، وكأنهم «في الجيبة»، سواء على المستوى الوطني العام او على المستوى السياسي. يتساوى في ذلك «14 آذار» و «8 آذار» في علاقتهم بحلفائهم الارمن.
ليست العلاقات اللبنانية – التركية وحدها ما يزعج الأرمن، وان كانت تحتل مركزاً متقدماً على سلم الحساسيات الوطنية. يزعجهم أن يحتسبوا اصواتاً انتخابية فقط او ملحقين في تعداد الاحزاب المنتمية الى هذا الفريق او ذاك.
يستعد الأرمن لإحياء ذكرى المجازر والمعاناة التي طالتهم قبل نحو مئة عام، وسط قلق وخوف من تكرار المأساة اليوم تحت عنوان جديد في منطقة تضطهد أقلياتها وكل مختلف فيها.
ولأن اللبنانيين الارمن يعتبرون انفسهم سنداً وقوة معنوية للارمن في المنطقة، لاعتبارات لها علاقة بطبيعة البلد وتركيبته وحجم الوجود الارمني التاريخي فيه ولأنهم يتمتعون بهامش الحرية ورفع الصوت، فهم ينشطون للمطالبة بحقوقهم التاريخية والتذكير بها. يستندون الى ان المجلس النيابي اللبناني اعترف بالإبادة الارمنية في ايار من العام 2000، ودعا تركيا الى الاعتراف بها ودفع تعويضات للشعب الأرمني. ومن هنا ينطلقون للتذكير بأن «محاسبة تركيا ودعوتها للاعتراف بجرائهما لا تستندان فقط الى معايير العدالة والانسانية وحقوق الانسان للشعب الارمني فقط»، بحسب النائب هاكوب بقرادونيان، «بل هو في أحد وجوهه إبقاء الذاكرة اللبنانية حيّة لجهة ما تكبّده الشعب اللبناني من الظلم التركي. فهل ننسى ان ثلث سكان جبل لبنان قُتلوا بسبب الجوع والحصار والسخرة؟ وأن تمثال ساحة الشهداء كان شاهداً على الظلم الذي مورس على الشعب اللبناني».
كلام مشابه يؤكده النائب سيبوه قالباكيان. فعلى رغم وجود الرجلين على ضفتين متواجهتين في السياسة اللبنانية الا انهما يتكلمان لغة واحدة في الشؤون الارمنية. ويشارك حزباهما في فعالية في لجنة التحضير للذكرى المئوية للابادة.
يقول قالباكيان «إن الارمن الذين حملوا معاناتهم لمئة عام وابقوا قضيتهم حيّة، يضعون الانسانية والضمير العالمي امام امتحان اخلاقي. فلا يجوز ان تمر جريمة بهذا الحجم اقله من دون الاعتراف بها وإدانتها والتعويض على مَن لم تستطع السنون أن تمحو الذكرى من يومياتهم او الالم المتوارث لديهم».
ولأن النائبين يعرفان ان لبنان الرسمي له علاقات مع تركيا «التي تكاد تصير على حدودنا»، بحسب بقرادونيان، فإنهما زارا الرئيس تمام سلام، كل بمفرده، وقالباكيان يرافقه النائب جان اوغاسبيان، ليبديا ملاحظاتهما وتحفظهما على «طبيعة» العلاقات مع تركيا وكيفية تطورها.
اللافت ان البيانات الرسمية للزيارات تتضمن ان المعنيين بحثوا «شؤونا ارمنية». في هذا التعبير بعض من «دماثة» ارمنية في السلوكيات السياسية.
فالاحزاب الارمنية تتجنب اي مواقف حادة في تعبيرها او محرجة لأي من الشركاء في الوطن او جارحة لهم. وهي تشكو ان لبنان الرسمي والشعبي لا يعامل الارمن بالمثل في الكثير من الاحيان.
فالنائب بقرادونيان يؤكد ان «التضامن بين المواطنين اللبنانيين يقوّي الروح الوطنية ويعززها. فاذا شعر اللبنانيون من اصل ارمني ان شركاءهم يتعاطفون مع مأساتهم التاريخية فإن ذلك يعزز من التضامن بينهم».
تحل الذكرى المئوية للمجازر الارمنية على اللبنانيين من اصول ارمنية وقد تضاعفت همومهم وهواجسهم، لكن تبقى أقساها من دون شك «أن تتكرر تجربة قطع الاعناق والقتل والتهجير، ان لم يكن على ايدي أحفاد القتلة فبتشجيع او غض طرف منهم، طالما ان المجرم اعتاد على الإفلات من العقاب»، كما يقول مسؤول حزبي ارمني.