Site icon IMLebanon

حرب دائمة في الشرق الأوسط

 

ربّما لم يتنبّه وزير الخارجية الفرنسي جان ـ إيف لو دريان بأنّ تاريخ منطقة الشرق الأوسط على الأقل في السنوات المائة وخمسين الماضية هو تاريخ حرب مستمرة، وأنّ دولته شاركت في رسم خارطة هذه المنطقة لتكون أرضاً للحروب الدائمة، فأيّ جديد يحمله تحذيره من أن «المنطقة المحيطة بسوريا يمكن أن تشهد «حرباً دائمة» إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي في هذا البلد»!

 

من الغريب أن تكون لغة الديبلوماسية الفرنسية «ضحلة» إلى هذا الحدّ، في أدنى تقدير تتحمّل فرنسا ومعها دول الاتحاد الأوروبي مسؤولية أخلاقية كبرى فيما وصلت إليه الثورة في سوريا، هذه الدول لم تفعل شيئاً سوى الاستنكار والتهديد الفارغ، وهذه الدول تجد أنّها أرهقت نفسها مضطرة لاستقبال اللاجئين السوريين تحت وطأة الحرج الذي تشعر به تجاه ضميرها السياسي الذي سمح بكلّ هذا القتل، وحرجها تجاه شعوبها التي تغضب لرؤية الأطفال قتلى وغرقى، ولحرجها أمام العالم لادّعائها «قيم» أخلاقية لم تستطع الالتزام بمنظومتها الإنسانيّة، وهذا على مستوى الشعب السوري الضحيّة.

من المضحك في تحذير مسيو»لو دريان» أنّه أناط مسؤولية «العمل من أجل حلّ سياسي من مسؤولية الرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الذين يدعمونه»، مدهشٌ العقل الديبلوماسي «الضّحل» عندما يطالب الجزّار وقاتل شعبه بالعمل لإيجاد حلّ سياسي، أو من الذين يدعمونه، وهذا مضحك أكثر إذ الذين يدعمونه سفّاحون أكثر منه من الرئيس فلاديمير بوتين إلى الحرس الثوري الإيراني ومرشده على الخامنئي ومعه كلّ الميليشيات الشيعيّة التابعه له والتي جنّدها لقتل الشعب السوري دعماً لبقاء بشار الأسد ونظامه المجرم لأنّه الممرّ الإجباري لبقاء حزب الله وأجندته الإيرانيّة على قيد الحياة!

المدهش في كلام «لو دريان» الذي جاء في مؤتمر صحافي على هامش الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة هو إعلانه أنّه «يمكننا القول تقريباً إنّ بشار الاسد ربح الحرب»، قد نفهم أن تعلن إيران أو الأمين العام لحزبها في لبنان أنّ بشار الأسد ربح الحرب، ولكن ما لا نفهمه أن يصدر هكذا كلام من وزير خارجية فرنسا، بصرف النظر عن السياق الذي جاء فيه، والمدهش أكثر في كلام الوزير الفرنسي ملاحظته القائلة «لكن لا يمكننا القول إنه حقق السلام» وتفلسفه في قراءة معادلة «أنّه حين يربح طرف ما الحرب بدون تحقيق السلام هذا يعني أنه لم يتمّ ربح الحرب رغم تحقيق تقدم على الارض»، كيف يخطر على بال وزير الديبلوماسية الفرنسية أنّ من صنع كلّ هذا القتل وارتكب كلّ هذه المجازر قد يحقّق السلام والحلّ السياسي؟!

للمفارقة لم يقل لنا الوزير الفرنسي من هي الجيوش الخمسة التي «تتواجه في سوريا»، وأي حرب إقليميّة قد تندلع في منطقة الشرق الأوسط؟ وبين من ومن؟  هل بين إسرائيل وحارسها الأمين النظام الأسدي؟ أم بين تركيا وبقايا جيش النظام الأسدي؟ هؤلاء كلّهم ومعهم إيران وميليشياتها تحالفوا على الشعب السوري، أمّا تخويف الوزير الفرنسي من اشتعال حرب في منطقة بدليل سقوط الطائرة الروسية قبل أيام، فنحن نذكّر هنا بحادثة إسقاط تركيا لطائرة روسية عامدة متعمّدة وكلّ التهديدات التي تلتها، وذهبت أدراج الرياح، وهذه الطائرة تقاس على تلك، أمّا عن «التبشير والتحذير» من اندلاع حرب إقليميّة في منطقة الشرق الأوسط، فـ «يحرق بيّ هالمنطقة» التي تشهد حروباً مروّعة من أواخر القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، وحالها كحال المتنبي في قصيدته «أجاب دمعي وما الداعي سوى طللِ»: «أنا الغريق فما خوفي من البللِ»!