تبنِّي ترشيح «حزب الله» للرموز الأمنية السابقة لم يلقَ قبولاً من أكثرية اللبنانيِّين ويواجَه بردَّة فعل عكسية
خطوة ترشيح هؤلاء الرموز لن تحقق تبييض صفحتهم السوداوية المحفورة بالأذهان ولن تقفل الباب أمام الملاحقات المرتكزة على أدلة دامغة
يلاحظ ان توجه «حزب الله» بتبني ترشيح رموز معروفين من النظام الأمني اللبناني السابق المرتبط عضوياً بجهاز مخابرات نظام بشار الأسد طوال مرحلة توليهم مسؤولياتهم في الأجهزة الأمني، لم يلقَ قبولاً لدى أكثرية اللبنانيين الذين يعتبرون مثل هذا التوجه بمثابة محاولة إعادة احياء مرحلة الوصاية السورية المشؤومة بأساليب من داخل المؤسسات الدستورية هذه المرة، ولإعطاء هؤلاء الرموز ادواراً مشبوهة مغطاة بعباءة الحصانات الدستورية، إما لتسميم الحياة السياسية اللبنانية أو لتحصينهم تجاه أي ملاحقات محتملة لادوارهم في جرائم القمع والاستهدافات التي تعرض لها خصوم النظام السوري طوال العقود الماضية.
ولا يقتصر هذا الرفض لترشيح مثل هؤلاء الرموز المنبوذين والحافلة سجلاتهم بشتى أنواع الارتكازات السوداوية، من خصومهم السياسيين كما يلاحظ بوضوح، بل يشمل هذا الرفض حتى شركاءهم في التحالفات السياسية على حدٍ سواء، لأنهم لم يهضموا مثل هذه الترشيحات وإن كانوا قبلوا بها على مضض باعتبار ان أحد هؤلاء المرشحين المبنوذين لديهم، لا يتلاقون معه ابدا، ويشكل حالة نافزة في منطقة ترشيحه بالبقاع إلى جانبهم على لائحة واحدة ويساهم إلى حدٍ ما في استنكاف العديد من مؤيديهم في دعم لائحتهم وبالتوجه نحو تأييد لائحة منافسيهم، ما يؤدي إلى خسارتهم للعديد من الأصوات جرّاء ذلك.
ولا يقتصر الامر عند حدّ إبداء الاستياء الضمني في المجالس المغلقة من خطوة «حزب الله» بهذا الشأن فقط، بل يذهب هؤلاء المنتقدون لهذا الوجه أبعد من ذلك بإطلاق توصيفات مقزز لسلوكيات وممارسات هذا الرمز الأمني الذي لا يملك في رصيده الشعبي، الا سيلاً طويلاً من الإساءات التي لا يُمكن تجاهلها أو القفز فوقها مهما كانت أداة الدعم التي تولت ترشيحه وتعمل على تسويق هذا الترشيح بكل قوتها لتأمين فوزه في الانتخابات بالرغم من كل الاعتراضات والتأفف من ترشيحه على لوائح مشتركة من هؤلاء الحلفاء.
يذهب بعض هؤلاء الرافضين لترشيح هؤلاء والرموز السابقين إلى اعتبار خطوة «حزب الله» بتبني ترشيح هؤلاء، لتأمين دخولهم إلى الندوة البرلمانية، إما ليكونوا أداة النظام السوري الفاعلة في التأثير ولو بنسبة معينة بالقرار السياسي الداخلي اللبناني أو في ما يخص العلاقات مع سوريا في شتى المجالات، باعتبار ان بعض الحلفاء للنظام استنكف عن هذا الدور في السنوات الماضية أو توقف عمّا كان يقوم سابقاً لاعتبارات متعلقة بالتطورات الأخيرة في سوريا لتأمين متطلبات تموضعه السياسي الجديد بعد انسحاب جيش الوصاية السوري من لبنان، أو لمكافأتهم على الدور الذي قاموا به طوال توليهم المسؤولية في مراكزهم لخدمة مصالح النظام السوري في ملاحقة المعترضين والرافضين لوجوده داخل لبنان وحتى تسهيل ارتكاباته الاجرامية بتصفية العديد من هؤلاء المعترضين جسدياً.
وفي كلتا الحالتين، فإن خطوة ترشيح هؤلاء الرموز، حتى إذا كانت كمكافأة على الخدمات الأمنية التي قدموها للحزب والنظام الأمني السوري على حدّ سواء، أو لتحصينهم إزاء أي ملاحقات قضائية محلية أو دولية محتملة لادوار بعضهم المكشوفة في تسهيل ارتكاب الجرائم الإرهابية والتصفيات الجسدية للعديد من الرموز والشخصيات السياسية والفكرية والصحافية اللبنانية، لن تحقق تبييض صفحتهم السوداوية المحفورة بالاذهان ولن تقفل الباب امام هذه الملاحقات إذا كانت مرتكزة على أدلة دامغة، بل على عكس ذلك، فإن ترشيح هؤلاء زاد من نقمة اللبنانيين على تجاوزات «حزب الله» واستمرار تفلت سلاحه من شرعية الدولة وقرارها، واحدث خشية كبيرة لديهم، باعتبار ما يقوم به في هذا المجال، لا ينفصل عن محاولات اضعاف الدولة ومؤسساتها والاستهزاء بإرادة قسم كبير من اللبنانيين الذين ينظرون بارتياب كبير لمثل هذه الخطوة التي لا تصب في مصلحة التقارب بينهم، بل تزيد من التوجس والشكوك في محاولة اعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإعادة هيمنة النظام المكروه من بوابة المجلس النيابي هذه المرة.