وقعت جناية التمديد، ولم يعد تجنبها قيد النقاش منطقياً. يعرف ذلك جميع “مرتكبيها”، من صوّت لها، وضدها، ومن وقف متفرجا، أو قاطع. والمساءلة تطال الجميع. فالتمديد محصلة وقائع، ساهم مؤيدوه ورافضوه، في رسمها، ولا ينفع “زعيق” الجنرال، وجوقته، في التبرؤ من المسؤولية عنها، فهم شركاء في ما مهد للتمديد، وأدى اليه.
لم يسمع لبناني يوماً أن وزراء “التغيير والإصلاح” لوحوا بالاستقالة اعتراضاً على عدم اقرار قانون الانتخاب أو تجاهل مهلة دعوة الناخبين، وغيرها، لكأنهم ارادوا وقوع المخالفات، ليتباكوا على الديموقراطية بعد دفن العملية الانتخابية، كما تباكوا على شهداء بعبدا 1990 بعدما تركوهم يواجهون موتهم، بلا قائد.
ما يتوج الاستفزاز بالقرف، أن البكّائين على عدم انعقاد العملية الانتخابية، ينسون احترام الدستور في شأن انتخاب رئيس للجمهورية، منذ أكثر من 6 أشهر، وتصل الوقاحة عندهم، الى اتهام سمير جعجع بالحؤول دون ذلك، لأنه “مرشح”، فيما يخصونه بمسؤولية التمديد دون حلفائهم، ليس لتأييده التمديد بعد رفض، بل لأنه أبعد الدولة عن خطيئة تفاقم الفراغ.
عملياً، ليس جديداً على جعجع أن يستشرف الخطر، ويذهب اليه كأبطال كورناي: في 21 نيسان 1995، عرف أن الوصاية السورية تريد اعتقاله، وعرض عليه وسطاء السفر، فرفض وانتظر في معراب، ليطوي 11 سنة من عمره تحت الأرض في وزارة الدفاع، لثقته بأنه محق في مواقفه.
أمس أيد التمديد، برغم كل ملاحظاته عليه، لايمانه بأنه الحل الأصوب وسط العاصفة، فيما يتذاكى “المتغيّرون” في تجاهل “تطنيشهم”، الذي أدى الى التمديد، ويستنسبون ما يوافقهم من الوقائع لتمرير استعراضهم، كزعم أحد نوابهم أن البلد آمن، ودليله أن “مليون شخص نزلوا في ذكرى عاشوراء في الضاحية برغم خطر التكفيريين”، حسب قوله، متجاهلاً أن الحزب حليف حوّل بيئته الحاضنة إلى “كيبوتزات” مدججة بالسلاح، بعدما استدرج الحرب السورية إلى لبنان، وجعل الدولة تشتت قواها العسكرية على كل الأراضي اللبنانية.
الاعتراض على التمديد، وادعاء البراءة من الاعتداء على الدستور، يصدق إذا جرؤ عون على المشاركة في انتخاب رئيس، أو تقدم بمرشح توافقي جدي، أو إذا قدم وزراؤه استقالتهم لأن كرامتهم السياسية يجب أن تمنعهم من المثول أمام مجلس النواب ينكرون شرعيته… أو إذا احترم نوابه الرأي العام، ولا سيما المسيحي، وغادروا مقاعد مجلس النواب “غير الشرعي”.
لكن الصفاقة السياسية الكبرى، أن يطلب مرشح “حزب الله” من مجلس نواب لا يراه شرعياً، أن ينتخبه رئيساً لدولة يفاخر صهره وكتلته بأنهما لا ينتميان الى الطبقة السياسية التي يستجدي العم أصواتها. مسرحية التعفف صارت تحتاج إلى تغيير، ولم يعد التلاعب بالنص يواري هزالها.