صراع سياسي يدور حول تفسير الدستور اللبناني
الإجتهادات لا تلغي القوانين ولا تحد من تغيراتها
والتشاور لا الإنغلاق هو الحل المفضل للجميع
اصغى الرئيس سليمان فرنجيه باهتمام، الى شاب قصده للمرة الأولى، في منزله الكائن في ساحة الكيّال في طرابلس، وبعدما انهى الضيف مطالعته السلبية حول الوضع الإجتماعي، سأله نائب زغرتا في العام ١٩٦٤، هل أنت شيوعي يا إبني!
واجاب الزائر الشمالي: ما زلت عند الأبواب الحمراء.
ضحك الزعيم الزغرتاوي وبادره بان شقيقه حميد فرنجيه كان يردد أمامه، اتركوا أصحاب العقول مع عقولها، ولكن، حاوروهم بالتي هي أحسن.
بعد ست سنوات انتخب النواب سليمان فرنجيه رئيساً للجمهورية، واختار شخصياً صديقه المحامي رامز خازن رئيس بلدية زغرتا – اهدن وزيراً للإعلام، وفجأة تذكر رئيس الجمهورية ذلك الشيوعي وطلب من رئيس ديوان وزارة الإعلام قبلان انطون ان يفتش له عن ذلك الشيوعي الذي حضر الى منزله في طرابلس في شارع عزمي الشيخ وجيه سعادة رئيس مجلس ادارة كازينو لبنان، ويطلب منه الإنضمام الى المدير العام لوزارة الإعلام للعمل معه، اذا ما أراد.
وقال له رئيس الجمهورية في النصف الثاني من السبعينات ان ينضم الى فريق عمل رامز خازن، وبادره: أريد في الإعلام اللبناني وجهات نظر متعددة، لا وجهة نظر واحدة، لان التعددية هي الوجه الآخر للحرية.
وبعد أربع سنوات، ذهب وفد نيابي الى قبرص، بعد احتلال الأتراك القسم التركي من الجزيرة، قال الرئيس القبرصي المطران مكاريوس للنائب الطرابلسي يومئذ موريس حبيب فاضل، لا تتركوا التتريك يزحف الى العاصمة اللبنانية الثانية، كونوا وجهاً واحداً للبنان الواحد.
عندما عاد الوفد النيابي اللبناني من الجزيرة العائمة في البحر تجاه الشاطئ اللبناني، حمل النائب موريس فاضل ما قاله له ولسواه الرئيس القبرصي، فعقّب الرئيس فرنجيه، على عبارته، بان هذا هو لبنان، لا يعيش برأي واحد.
بعد قرابة ربع قرن، رحل الرئيس القبرصي الى العالم الآخر، ورحل بعده الرئيس فرنجيه، لكن حكمة الرئيسين القبرصي واللبناني، لم ترحل عن أذهان اللبنانيين، ويقول الوزير الراحل خليل أبو حمد، انه سمع هذه العبارة من معظم القادة الأوروبيين، عندما زارهم تباعاً، بعد تعيينه وزيراً لخارجية لبنان في عهد حكومة الشباب في العام ١٩٧٠.
وفي تلك الفترة خلال ذكرى تأسيس الجيش اللبناني قال رئيس الجمهورية سليمان فرنجيه، للرئيس شارل حلو بعدما سلمه رئاسة الجمهورية ان الرئيس فؤاد شهاب أعاد تكرار القصة أمامه: لبنان لا يعيش برأي واحد، وفي قمة الأزمة السياسية، قال الرئيس الجديد ميشال عون، خلال عيد الجيش ان التعددية السياسية هي قدر لبنان، في خضم الأزمات الحالكة العاصفة في الوطن اللبناني.
عندما زار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بيت الوسط لمناقشة موضوع تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة، حرص على إيفاد وزير الإعلام ملحم رياشي في الحكومة المستقيلة الى بعبدا، ليقف على رأي رئيس البلاد، في اسناد حقيبة سيادية الى القوات اللبنانية رد شاكراً للإثنين الحرص على التشاور معه، وشكر بنوع خاص الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، على سلامة موضوع التشاور، لأن الإنغلاق، لا الإنفتاح هو أكبر كارثة على لبنان، لكن رئيس الجمهورية كان بدوره، حريصاً على احترام المبادرة وتقديرها، في هذه المناسبة الدقيقة.
طبعاً، ان تأليف الحكومة صعب، لكن الصعوبة تكمن في التغلب عليها لا في التعاطي معها، الا ان كثافة الخلافات لا تلغي كثافة الحرص على التفاهمات، وثمة تفاهم مبدئي بين الرئيس العماد ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، على تأليف حكومة جامعة، لا حكومة أكثرية واقلية، الا ان الثلاثة متفقون على احترام النظام الديمقراطي، لأن لبنان يفقد خصوصيته إذا ما خالف النظام أركان النظام. ورئيس البرلمان مارس حقه السياسي، عندما دعا أعضاء كتلته النيابية، وحث توأمه الشيعي على تأييد الرئيس ايلي الفرزلي في انتخابات نيابة رئاسة السلطة الإشتراعية، فجاء نائباً للرئيس بمعظم أصوات حركة أمل وحزب الله. غير ان الرئيس ايلي الفرزلي استطاع بلمحة ذكاء الى الجمع بين رئيس المجلس نبيه بري وزعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل في عين التينة وبحضوره شخصياً، لطيّ حقبة الخلاف الحادة، بين الزعيم الشيعي والزعيم الماروني في أيام الأزمات والخلافات.
ويعتقد وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي ان القانون اللبناني، لحظ وجود اجتهادات الى جانب القانون، بغية توسيع هامش الحريات، قبل بلوغ التفاهمات. ولهذا فان وجود الرؤساء الثلاثة، فرصة لا تتكرر لايمانهم بان سيبة الحكم تتهاوى، عندما تهيمن قوة من القوى المذكورة على القاعدة السياسية.
طبعاً، ان هذه النظرية قد تشوّه اللعبة الديمقراطية، لكن النظريات وجدت أساساً لاحترام الآراء والتباينات المختلفة.
كان الاستاذ محمود الأدهمي، صديقاً للرئيس رشيد كرامي، لكنه كان يدعوه الى التحالف طوال نصف قرن مع النائب هاشم الحسيني اليساري في السياسة ومع النائب الدكتور أمين الحافظ في الإقتصاد، لأنه حافظ على التقاليد الطرابلسية في التوازن السياسي بين اليسار واليمين.
وعندما أراد الرئيس سعد الحريري، أن يحافظ على استمرار التحالف بين تيار المستقبل وحزب القوات أوفد وزير الإعلام ملحم رياشي الى القصر الجمهوري مساء الخميس الفائت للتفاهم مع رئيس الجمهورية على مسألة اسناد حقيبة سيادية الى القوات اللبنانية.
كان بامكان جعجع الإتفاق على الأمر مع الرئيس سعد الحريري، لكنه لم يفعل ذلك، حرصاً منه على أمرين اثنين: الحرص على استمرار العلاقة مع تيار المستقبل وعلى عدم ترك أي فرصة، للخلاف مع رئيس الجمهورية، على الرغم من التباينات في المواقف والمذاهب واحياناً مع الجميع.
وللمرة الأولى تبدو التباينات قوية بين مختلف المكونات اللبنانية، اذ ان العلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات والمستقبل والثنائي الشيعي لا تبدو في أحسن حال فيما بينها، لكنها متفقة على التفاهم معاً في اطار حكومة تضم الجميع.
ولهذا، فقد قال رئيس الأكثرية النيابية اليمينية جبران باسيل، انه مستعد لتلبية طلب الرئيس الفرزلي للإجتماع الى الرئيس بري، وان الرئيس سعد الحريري سيجدني بانتظاره عندما يرغب في اللقاء معي، وساعة تنضج ظروف صعوده الى القصر الجمهوري للتداول مع الرئيس عون في شأن إنجاز التشكيلة الحكومية.
صحيح ان القوات باتت تقبل باربع حقائب وزارية، للتخلي عن نيابة رئاسة الحكومة، بعدما باتت معروفة، بأنها ستكون للسيد نجاد عصام فارس بعد عزوف والده النائب السابق لرئيس مجلس الوزراء عن تولي أي حقيبة وزارية الآن.
مسألة التفسير الدستوري سبق وطرحت سابقاً، لكن الخبير الدستوري الوزير السابق خالد قباني يؤكد ان تفسير الدستور، يكون بقانون دستوري، وليس بقانون عادي، ويتطلب غالبية الثلثين، وبالتالي يجب أن يكون بقانون دستوري وليس بموجب قانون عادي، ويشير الى ان الإصلاحات الدستورية كانت تتضمن منح المجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور.
الا ان اعتراض خلال جلسة المصادقة على اتفاق الطائف حال دون اقرار تلك الصلاحيات، ويورد الدكتور عصام سليمان رئيس المجلس الدستوري انه طلب باناطة تفسير الدستور في المجلس الدستوري.
لكن التفسيرات خارج مجلس النواب، كانت متعارضة ومغلقة بالسياسة في معظم الأحيان، وفي السياق نفسه يلفت الوزير السابق خالد قباني، الى ان هناك تضارباً في الآراء، لان التفسير يكون سياسياً وأحياناً، فان كل جهة لها رأيها الامر الذي يتسبب بانقسامات سياسية، ولكن يجب أن يكون هناك توافق حول الأمور في تفسير بعض المواد الدستورية.
ويوضح الدكتور قباني ان هناك مفاهيم للأنظمة البرلمانية ومضمونها ونتائجها ومفهوم العلاقة بين البرلمان والحكومة وكيفية التشريع، ولا يوجد نص واضح وصريح في هذا الإطار الدستوري. لذلك، هناك رأي يؤيد حق المجلس في التشريع في ظل حكومة تصريف اعمال، بالاستناد الى اجتهاد يقوم على ان المجلس سيد نفسه، ولا يمكن لأحد أن يحد من سلطاته التشريعية في ظل حكومة مستقيلة. وأيضاً يستند أصحاب هذا الرأي الى ان الحكومة المستقيلة لا تستطيع منع المجلس من التشريع، لان الأمر يتضارب مع استمرارية المرفق العام.
ويخلص وزير العدل السابق الى ان مجلس النواب لا يستطيع التشريع في ظل حكومة مستقيلة. لان التشريع هو مع نتاج التعاون بين السلطتين، وهو ما ينص عليه الدستور لجهة الفصل والتعاون بينهما، عدا عن ان هناك مواد أخرى تنص على آلية التشريع، منها ان مشروع القانون الذي تقدمه الحكومة، في حال كانت مستقيلة، فانها لا تستطيع ان تحضر جلسة التشريع، لانه جاء بارادة منفردة.
وعندما سئل الرئيس سعد الحريري عن رفضه الذهاب الى سوريا أجاب: لنكن واضحين، لسنا في وارد تحقيق مكاسب مع سوريا في ملف العودة، نريد أن نكسب معه وليس عليه. ان هذا الموضوع لن يكون سبباً لأزمة في الحكومة، ولن نقبل ان يتم تفسيره لفريق على حساب آخر.
هل يخضع الرئيس المكلف سعد الحريري الى ضغوط تدفعه الى خيار لا يريده.
يقول العارفون ان جوابه على هذا التساؤل دقيق وصعب لان الأوضاع في لبنان والمنطقة المعقدة والمتناقضة والازمة الحكومية الناشئة، كلها أمور تشير الى التخلي عنه، ولو ان تأليف الحكومة ليس مضموناً، لأن حلفاء الرئيس المكلف في الخارج سيبذلون كل ما يستطيعون للحض على الصمود.
واخيرا فان العقدة الباقية في تأليف الحكومة هي التوفيق الصعب بين شروط القوات والحرب الدائرة بين زعماء الطائفة الدرزية.