IMLebanon

صار الحل السياسي في سوريا بعيداً جداً!

آخر شهر أيلول الماضي علَّقت أميركا برنامجها لتدريب قوات المعارضة السورية المعتدلة وتسليحها. والدافع إلى القرار كان تعذُّر وجود أعداد مهمة من المقاتلين المعتدلين، واعتداء “جبهة النصرة” في تموز الماضي على أول دفعة من “خريجيه”، ومبادرة الدفعة الثانية إلى تسليم أسلحتها لـ”الجبهة” المذكورة.

هذا التعليق لـ”البرنامج” أو بالأحرى الإلغاء تجاوز تأثيره السلبي أميركا إلى حليفاتها تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي والأردن التي كانت تنسِّق معها لإنجاز مشروع تأسيس القوة المعارضة المعتدلة. وهذه الدول ستجد نفسها مضطرة للعودة إلى التركيز على التنظيمات السورية التي تقاتل قوات الأسد وحلفائه. وطبيعي أن يحدّ ذلك من قدرة واشنطن على التخفيف من حدّة انخراط شركائها الإقليميين في سوريا. فتركيا و”مجلس التعاون” سيستمران في موازنة الدعم الروسي المباشر للنظام السوري بتزويد حلفائهما المقاتلين مزيداً من الأسلحة المتنوعة والتجهيزات العسكرية والمال. ومعظم هؤلاء لا تريد الولايات المتحدة العمل معهم وتقويتهم. وفي هذه الأثناء صعَّد وزير خارجية السعودية إنتقاده لدعم روسيا الرئيس الأسد، وقال أن الرياض لا تزال تفكّر في تدخُّل عسكري من أجل تغيير النظام في دمشق. وتركيا لا تزال تتحرَّك وبعناد لإقامة منطقة محظور الطيران فيها شمال سوريا. وهي تتودّد إلى دول أوروبية من أجل الحصول على تأييدها. لكن طالما استمرت موسكو في الإصرار على ضرورة تنسيق أي تدخُّل أجنبي في سوريا مع دمشق فإن منطقة حظر الطيران لن ترى النور، وخصوصاً إذا استمر غياب التأييد الأميركي لها. إذ أن تركيا لن تغامر في محاولة إقامة منطقة كالمذكورة، وخصوصاً إذا اعتُبر ذلك استفزازاً مباشراً لروسيا. علماً أن تزايد الضغط السياسي الداخلي والقلق حيال كل ما يتعلُّق بالأزمة – الحرب في سوريا قد يدفع أنقرة إلى محاولة اقتطاع شريط فاصل في شمال محافظة حلب من دون حظر للطيران في أجوائه.

ما هي خيارات أميركا في حال كالمشروحة أعلاه؟

ستفرض التغييرات المتسارعة في سوريا على أميركا، في رأي باحثين جديين في واشنطن، الاعتماد على الإجراءات “الناجحة” المنفَّذة سابقاً. الإجراء الأول الحملة الجوية ضد “داعش” التي تعطي “التحالف الدولي ضد الإرهاب” الذي تقوده أميركا قوة ونفوذ إقليميين. فتركيا مثلاً ستستمر في دفع واشنطن لضرب “داعش” شمال حلب بغية مساعدة حلفائها المقاتلين في سوريا وتغطية حركتها ضد التدخُّل الروسي العسكري المباشر.

والإجراء الثاني هو تعزيز الولايات المتحدة العلاقة مع “وحدات حماية الشعب الكردية” و”الجيش السوري الحر”. ومن شأن ذلك تشكيل تحدٍ لمدينة الرّقة التي أعلنها “داعش” عاصمة له. لكنه يواجه عقبة مهمة هي معارضة تركيا له. وهذا يعني أن على أميركا التحرُّك بحذر تلافياً لإيذاء علاقتها بأنقرة.

والإجراء الثالث والأخير هو، رغم فشل محاولة إنشاء معارضة سورية عسكرية معتدلة، متابعة أميركا المبادرة التي تنفِّذها من زمان الاستخبارات المركزية (سي. آي. إي) التي تقضي بتدريب وتجهيز ثوار من “الجيش السوري الحر” لمتابعة مقاتلة الأسد وجيشه وميليشياته. طبعاً يبقى هذا المشروع أقل طموحاً من المشروع المشابه الذي ثبُت فشله آخر الشهر الماضي. ويبقى النفوذ الأميركي على هؤلاء الثوار قليلاً. لكنه رغم ذلك حقّق نجاحاً كبيراً في الضغط على قوات الأسد. هذا البرنامج وخصوصاً بتزويده المقاتلين قذائف “تاو” الموجَّهة ضد المدرَّعات، يبقى أداة أساسية تستطيع واشنطن استعمالها للضغط على النظام السوري، ولإعاقة مزيد من الانتشار العسكري الروسي البرّي في سوريا. وخلافاً للمشروع الفاشل فإن مشروع الـ”سي. آي. إي” ليس موجهاً لمعالجة مشكلة “داعش” تحديداً.

طبعاً، يقول الباحثون أنفسهم، هذه الإجراءات لن تمكِّن أميركا من إنجاز ما أملت فيه من تأثير على الأحداث السورية بواسطة فريق قوي قادر على مواجهة “داعش”. كما أنها بدأت ترى خياراتها مقيَّدة ومرتبكة. فالروس صاروا على الأرض، ودول الخليج العربية وتركيا صارت أقل حماسة لأتّباع القيادة الأميركية. فضلاً عن أن الثوار السوريين صاروا أقل ثقة بقدرة واشنطن ودوافعها وحوافزها. والروس سيقودون الأحداث، والأميركيون سيندفعون بارتباك لتنظيم وضبط التحرُّكات الروسية. ورغم اقتناع أميركا بأن الخيار الأفضل هو الحل السياسي في سوريا فإن المصالح المتنافسة الإقليمية والروسية ستجعله بعيداً جداً.