Site icon IMLebanon

مظلّة سياسية فوق تركيبات وأنواء وخلافات كثيرة

مظلّة سياسية فوق تركيبات وأنواء وخلافات كثيرة

جمهورية تواجه التغيير بوجوه ومقاعد

ونظام جديد قد يبصر النور في وقت قريب

كان في موسكو العاصمة الدافئة في مناخ هادئ، وقف الرئيس رفيق الحريري في أجواء يحتشد فيها المواطنون الروس، في باحة الساحة الحمراء سابقاً من دون أن يكون فيها أي أثر للزعيم السوفياتي الراحل فلاديمير ايلتش لينين، او لخليفته جوزف ستالين. راح الناس يغنون فرحاً، لان المقيم داخل أسوار الكرملين يقود الآن معركة القيصر الجديد. وهو على أبواب قيصر الكرملين ذهب حكم القياصرة وبقي حكم القيصر الجديد.

نظر الرئيس رفيق الحريري الى فوق، حيث كان القيصر ينتظره، وهو يستعد للصعود الى أسوار عالية، لم يستقر فيها الا عظماء الإتحاد السوفياتي السابقون: نيكيتا خروتشوف، الكسي كوسيغين، ليونيد بريجنيف، واندره غروميكو.

أطرق رئيس الوزراء اللبناني النظر، قبل أن يصعد الى أسوار الكرملين وطلب من أحد أركان الوفد اللبناني المرافق له، ان يذهب مع البعثة اللبنانية الى الفندق، حيث يقبع هناك في انتظارهم وزير لبناني سابق، ترك صديقه نبيه بري الذي انضم الى حاشيته السياسية، وأصر عليه أن يتصل من العاصمة الروسية بالعاصمة السعودية، ليقول له ان رفيق الحريري باقٍ في المدينة العظيمة الى أن تقيض له فرصة المغادرة، لأنه يتوقع انضمام وزير دفاع الولايات المتحدة اليه، قبل انتقاله من موسكو الى الرياض، وان كانت العلاقة بين العاصمتين غير طبيعية.

بعد ربع ساعة كان رفيق الحريري يصعد أسوار الكرملين وفي انتظاره زعيم الكرملين الجديد، بعد رحيل من سبقه ومهد له سقوط الامبراطورية الحمراء.

في باحة الكرملين كان القيصر الروسي الجديد يرحب بالامبراطور اللبناني قبل الشروع في محادثات استمرت ساعتين. وعندما هم الرئيس رفيق الحريري بوداع القيصر بادره هذا الأخير بان طلب منه أن يستقبل في اليوم التالي وزير الدفاع الأميركي القادم الى موسكو.

قبل نصف قرن، كانت موسكو تقاوم حكم الرايخ الثالث، وتقاوم زحف هتلر الى بلاد البرد القارس، كان الفوهر يعتقد انه سيدخل موسكو قريباً، وسكانها يرتعدون خوفاً من اقتحام هتلر الذي امتد رعبه الى معظم العواصم الأوروبية.

الا ان العاصمة الباردة، تحولت الى مدينة ساخنة. لقد تهاوى هتلر وتراجع الى أوروبا الشرقية، وبدأت في موسكو حرب جديدة بين الزعماء الحمر أو بالأصح بين تروتسكي المناوئ لسلطة بيريا وبين الثوار الجدد بقيادة مالينكوف أو بين أصبح الحرب الحمراء بين زعامة يعتريها الأفول، وقيادة تختصر مقامات جديدة على أبواب يقف عندها أودولف هتلر الغاضب وتروتسكي المناوئ لما سيعرف لاحقاً بزعامة الحزب الشيوعي بقيادة مالينكوف وسقوط الثلاثة أمام قيادة جديدة ستصل لاحقاً الى زعامة جديدة في أوروبا بقيادة لينين وستالين.

لم يكن أحد يدري ان النظام الشيوعي بدأ يفرز قيادات جديدة على أنقاض الحرب العالمية بين برلين وموسكو.

عندما ذهب نيكيتا خروشوف من البلاد الحمراء الى البلاد السمراء لم يكن أحد يدري ان يتربع على مقاعد جلس عليها لينين وستالين وطردت التروتستيكية وانعشت ذهنية جديدة وان نيكيتا خروشوف سيذهب الى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويخلع حذاءه، ويضعه أمامه على طاولة الجمعية العامة سيكون فارس الأحلام الجديد على أبواب الترويكا السوفياتية الجديدة المؤلفة من خروشوف والكسي كوسيغين، والرئيس بودغرني.

القيادة الثلاثية عاشت حقبة، لتحل مكانها حقبة جديدة، تبدأ بطرد خروشوف من الكرملين، وتستعد لاستقبال زعيم جديد اسمه ليونيل بريجنيف.

هذه الأمور كلها لمعت في أذهان رفيق الحريري وهو يطلب من صديقه اللبناني في الفندق أن يطلب عشاء ضخماً للوفد المرافق.

عندما عاد رفيق الحريري الى فندق ماريوت طلب من مسؤول في رحلته أن يقول للوفد المرافق له انه باقٍ في العاصمة الحمراء سابقاً حتى اشعار آخر.

لم يكن رفيق الحريري يدرك ان رحلته الى بلاد لينين وستالين وبريجنيف، ستكون نهاية طموحاته الى بلاد فلاديمير بوتين. كل ما فعله انه طلب الذهاب الى زيارة البطريرك الروسي كيريل الأول، لأنه أصبح الرجل الثاني بعد بوتين في العالم الجديد المطل على الساحة الحمراء من أبراج الكرملين.

ورفيق الحريري حضر الى موسكو على متن طائرته الجديدة التي لا نظير لها في ذلك الوقت، لكنه عندما رجع الى الفندق، اتصل بالعاصمة السعودية، وطلب ارسال طائرة حديثة مثل طائرته التي تعطلت على ما يقال في الروسيا، على الرغم من انها وصلت الى هناك، في مناخ خريفي او ربيعي.

إلا ان الأمور تتبدل، خصوصاً بعد أفول نجم الرئيس الياس الهراوي، واطلالة حكومة جديدة برئاسة الدكتور سليم الحص الذي اختار وزير مالية جديداً هو الاستاذ جورج قرم الذي كان صاحب وزن كبير على الصعد المالية والاقتصاد، حتى ان الرئيس حسين الحسيني كان يصفه بانه يستحق أن يكون رئيساً للجمهورية لا وزيراً للمالية، وبعضهم الآخر كان يصفه بالماركسي الجديد.

في آخر حكومة شكلها، الرئيس عمر كرامي في عصر رفيق الحريري، اختار الدكتور الياس سابا وزيراً للمالية، على الرغم من ان رئيس الجمهورية في العام ١٩٧٠، اختار، وزيراً للمالية في أولى حكوماته ولم يستبعد عنها الا عندما شكل الحكومة الرئيس رشيد الصلح، واخذ باقتراح الاستاذ كمال جنبلاط، وعيّن وزيراً ارثوذكسياً بدلاً منه هو الاستاذ عباس خلف.

كان الدكتور جورج حنا اليساري العتيد من دعاة الاعتصام بنباهة الرجال.

راح، من أول عمره يدعو الى الكثير، الكثير من الفوائد والمراجع، لأنها في رأيه تذكي من المواهب والمعارف، ويرفض الثانية لأنها تذكي الصفات الكبيرة والابداع السياسي.

وفي أحيان كثيرة، كان الدكتور جورج حنا العالم والمفكر والأديب ينشد الخلود ويتوخى العباقرة، لكنه راح يردد، في أجواء العقل والفكر ان من يستمد عقله من التجربة هو سليل المعارف، ورسول نباهة ومعرفة.

في تلك الحقبة وقع خلاف بين البطريرك الماروني بولس المعوشي ورئيس الجمهورية فؤاد شهاب، بعد اتفاقه الشهير مع الرئيس جمال عبد الناصر، والذي وطد العلائق المصيرية بين القائد السابق للجيش والرئيس العربي الجديد للجمهورية العربية المتحدة.

يومئذ، قرر البطريرك المعوشي الذهاب الى الولايات المتحدة، في عصر الرئيس جون كينيدي أول رئيس كاثوليكي يصل الى الرئاسة الاميركية.

طلب البطريرك المعوشي، بواسطة كاردينال واشنطن، لقاء مع الرئيس كينيدي، ليقدم له أرزة لبنانية تزرع في حديقة البيت الابيض. الا ان دوائر القصر الرئاسي الاميركي أجابت بأن لا عادة عند الرؤساء الاميركيين في استقبال زعماء روحيين مسيحيين أو مسلمين.

الا ان البطريرك طلب أن يرافق الرئيس كينيدي الى الحديقة حيث زرعت الارزة اللبنانية. وفي الطريق بين البيت الابيض والحديقة دس البطريرك المعوشي ورقة صغيرة في صينية قهوة يطلب فيها من الرئيس كينيدي ان تحول الولايات المتحدة دون التجديد للرئيس فؤاد شهاب لولاية ثانية.

يومئذ، عرف بالأمر القائم بالأعمال اللبناني في الولايات المتحدة سهيل شماس، فطلب من بيروت ارسال السفير الاميركي الى واشنطن، ليعود هو الى لبنان.

وهكذا حضر السفير اللبناني، الى العاصمة الاميركية عشية قيام الرئيس الاميركي بزيارة حديقة البيت الابيض والتفرج على الارزة اللبنانية.

وعند وفاة الرئيس فؤاد شهاب، أحجم البطريرك المعوشي عن كتابة الرقيم البطريركي في رثاء رئيس الجمهورية، وكلّف نائبه نصرالله صفير في كتابته وإلقائه.

ويقال ان الوزير الراحل فؤاد بطرس لبى دعوة البطريرك الماروني الى غداء في بكركي، لكنه احجم عن الاستجابة لمسعى وزير الخارجية اللبناني السابق الى لقاء مصالحة بين الرئيس شهاب والبطريرك الكاردينال المعوشي وتلك كانت ثغرة في المساعي الهادفة الى رأب الصدع بين بكركي وذوق مكايل المقر الرسمي لرئاسة الجمهورية.

في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء برئاسة الرئيس العماد ميشال عون وبحضور رئيس الحكومة سعد الحريري، سجلت وقائع لا بد من ذكرها أبرزها عزم رئيس المجلس النيابي، نبيه بري على القيام بزيارة أوروبية، كعادته كل عام، وزيارة أخرى ينوي القيام بها الرئيس سعد الحريري لبعض العواصم العربية والاوروبية.

ويقال ان جلسة مجلس الوزراء المذكورة كانت مليئة بالملفات الساخنة بين الوزراء لولا حكمة ودهاء واحترام الوزراء كافة للرئيس العماد ميشال عون، خصوصاً انه انهى النقاش الساخن حول النازحين السوريين إلى لبنان ومواضيع أخرى حول الطاقة الكهربائية في غياب وزير الطاقة سيزار أبي خليل. ويقال ان خطة الكهرباء غابت بعدما طلب الرئيس عون من الأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل بأن يصحح النص الذي ارسل الى إدارة المناقصات والذي تبين انه تم تعديله أو تغيير بعض العبارات فيه أي اضافة طفيفة ذات مغزى سياسي.

ويقال أيضاً أن الجلسة شهدت مناقشات حادة بين الوزراء على خلفية المطالبة بالتفاوض مع الحكومة السورية وآخر رفض أي خطوة في هذا الاتجاه.

وموضوع النازحين السوريين أشدّ تعقيداً من مقاربته بالمزايدات والمناورات، وهو أخطر من توظيفه في خدمة أهداف محلية واقليمية تتجاوز مصلحة لبنان وحق النازحين في العودة الى سوريا، كما يقول الكاتب الكبير رفيق خوري. ذلك ان العوامل المختلفة والمتداخلة في الموضوع تجعله بالغ الحساسية، لأن التحديات الأمنية ذات مخاطر تسلل الارهابيون إليها وإلى المخيمات وسواها.

والحرب في سوريا التي دفعت حتى الآن ثمانية ملايين مواطن إلى النزوح داخل سوريا وستة ملايين إلى لبنان والاردن وتركيا والعراق ومصر كلاجئين، صارت حرباً اقليمية باردة دولية، وهي سخرت كل الرهانات على حساب الاعمار، ودفع الأمور الى الإتجاهات التقسيمية.

ويقال ان السؤال لم يعد ان كان لبنان يمارس بالفعل سياسة النأي بالنفس عن الصراعات والنيران المشتعلة في سوريا والمنطقة، فهو في الأساس سؤال عام افتراضي ما دام حزب الله يلعب دوراً مهماً في حرب سوريا وصراعات المنطقة.

والسؤال الملّح حالياً، يقول رفيق خوري، هو الى أي حد نستعد لمواجهة انعكاسات الحرب والصراعات علينا، والتي لا مجال للنأي بالنفس عنها، وهي تتعدى موضوع النازحين.

ويقال ان القضية معقّدة وذات أبعاد عديدة أقلها خطورة التسليم بالخطأ على عواهنه.

نجح ميشال عون حتى الآن، في ترؤس جمهورية مبلبلة بتقسيمات سياسية صعبة، ونجح كذلك في إنجاز قانون جديد للانتخابات النيابية، على أساس اعتماد النظام النسبي، معدلاً على حساب النظام الأكثري.

ويبدو أن ثمن إنجاز القانون الجديد، سيكون غالياً جداً، باعتبار ان رئيس الجمهورية أمضى أكثر من سبعة أشهر، في جمهورية منفتحة على التمديد من دون تمديد باعتبار ان اضافة ١١ شهراً الى عمر المجلس النيابي الجديد، سيكون معضلة أساسية مشوبة بحل سياسي يقود الجميع الى الحل المقبول، من الجميع، وصاحب الإفادة للجميع.

وسيكون للانتخابات النيابية المقبلة دور أساسي في بلورة مفاهيم الجمهورية الجديدة على أساس الذهنية السياسية الجديدة، والقائمة على بلورة حل يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي.

وهذا هو الحل الذي لا بدّ منه لملء المقاعد الشاغرة في كسروان وطرابلس، أو في ترك الانتخابات المقبلة الى إشعار آخر.

ولعل طرح اسم العميد المتقاعد شامل روكز الشهير بحنكته العسكرية وقوته السياسية، وكصهر للرئيس العماد ميشال عون فرصة لتطعيم المجلس بوجود رجل معهود له بالحكمة والأصالة.

ويقال ان الانتخابات الفرعية ان جرت او تأجلت إلى وقت آخر، فانها لا تعني سوى التغيير في منظومة العصر الجديد، لأن التجارب السياسية، تؤكد أن تغييرات حتمية آتية، في المجلس النيابي المقبل أبرزها التجديد في النظام وفي الوجوه.

ويقال ان العماد عون والرئيس سعد الحريري متفقان مع الرئيس نبيه بري على التغيير في الوجوه كما في المواقع والمقاعد.