Site icon IMLebanon

قراءة إيجابية في  نيَّات عون وجعجع

بكلِّ المقاييس، اللقاء بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، هو لقاءٌ إيجابي، فكيف إذا تُوِّج بورقة إعلان نيّات؟

فالرجلان اللذان يتقدَّمان الساحة المسيحية في لبنان منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وحتى اليوم، لم يتراجعا إلى الصفوف الخلفية على رغم ما أصاب كلاًّ منهما من انتكاسات وهزائم وإحباطات، فالعماد ميشال عون عوقِب بالنفي والدكتور جعجع عوقب بالسجن، لكن لا منفى العماد عون أنهكه أو أنهاه، ولا سجن الدكتور جعجع أنهكه أو أنهاه.

جاء الربيع اللبناني فعاد العماد عون من منفاه، وخرج الدكتور جعجع من سجنه، لكنَّ الإصطفافات التي بدأت تتكوَّن جعلت كلاًّ منهما ينسج تحالفات مختلفة عن الآخر، فعادت المعارك ولكن السياسية منها، لأنَّ لا سلاح فيها لكنها تسببت مجدداً في إحتقان النفوس بين الطرفَيْن، وكانت المعارك تتجلَّى في الإنتخابات النيابية وفي الإنتخابات النقابية وفي الإنتخابات الطالبية في الجامعات، لكنها أدَّت إلى حقيقة يصعب على أحد إنكارها وهي أن هناك ثنائية مسيحية يصعب تجاوزها. صحيح أنَّ هناك أحزاباً وتيارات مسيحية أخرى لكن مسألة الأَحجام تجعل الآخرين في الصفوف الخلفية من دون أن يؤدي ذلك إلى أيِّ عملية إختزالٍ أو عزلٍ أو إلغاءٍ سياسيّ.

لكن الأمور لا يجوز أن تبقى على ما هي عليه من تجاذبات وإشكالات، فلماذا الآخرون على الساحة اللبنانية متفاهمون بالحد الأدنى داخل طوائفهم فيما لا يحقُّ للمسيحيين التفاهم؟

هذا السؤال هو الدافع الأول للتفاهم، ويُضاف إليه الوعي الكامل لدى القياديين، عون وجعجع، بالوضع المسيحي المتراجِع في المنطقة إلى حدود خطيرة، وكذلك الوضع الذي لا يُحسَدون عليه في لبنان، فرئاسة الجمهورية في حال شغور، والواقع المسيحي في الوزارات والإدارات في وضع لا يُحسَدون عليه، فإذا لم يحصل التفاهم اليوم فمتى يحصل؟

في أيِّ تفاهم أو إعلان نيّات، لا يمكن لأيِّ طرفٍ أن يأخذ كلَّ ما يريده، فالتفاهم هو التقاء في منتصف الطريق، بهذا المعنى فإن ورقة إعلان النيات أعطت عون ولكن ليس كل ما يريده، كما أعطت جعجع ولكن ليس كل ما يريده.

إعلان النيات أخذ من العماد عون الإلتزام بمرتكزات وثيقة الوفاق الوطني التي أُقرت في الطائف، فليس قليلاً أن يُقرَّ العماد عون بالطائف وهو الذي خاض حروباً ضده. لكنها أعطته في المقابل إنتخاب رئيس قوي ومقبول في بيئته وقادر على طمأنة المكونات الأخرى.

كما أنَّ إعلان النيّات أعطى الدكتور جعجع ما كان يطالب به، أي اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة. إعلان النيات يُطمئن الطرفين إلى عدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين، كما يطمئنهم إلى ضرورة إقرار قانون جديد للإنتخابات يراعي المناصفة الفعلية وصحة التمثيل. والأبرز من كلِّ ذلك، عدم اللجوء إلى السلاح والعنف مهما تكن الهواجس والإحتقانات.

إعلان النيات، إذاً، أعطى الطرفين، لكنه واقعياً أعطى عون أكثر مما أعطى جعجع، أو بالأحرى أعطى عون ما يحتاج إليه بصفة المعجَّل وهو صورة القادر على التفاهم مع خصومه، بمعنى أنه إذا كان عون قادراً على التفاهم مع سمير جعجع والذي خاض ضده أشرس الحروب، فهل يصعب عليه التفاهم مع الآخرين؟

كما أنَّ جعجع ستكون له حيثية في التيار بعد اليوم على قاعدة وضع حد للمرحلة السابقة والبدء بمرحلة جديدة عنوانها التفاهم وصدق النيات.

تمَّ ترتيب البيت الداخلي لكن ماذا عن البيت الوطني؟

وتحديداً عن رئاسة الجمهورية؟

الملف الرئاسي صحيح أنَّ انطلاقته من الرابية ومن معراب ولكن خواتيمه في ساحة النجمة، وهناك عون وجعجع ليسا وحدهما.