Site icon IMLebanon

المستحيلات لا تصنع رئيساً للجمهوريّة 

 

مشكلته أنه لا يعرف ـ ولا أحد يعرف ـ من أين الدخول الى الأزمة في لبنان. أزمة أم أزمات لبنان؟ مثلما هناك مصطلح «الدولة ـ الأمة»،عندنا «الدولة ـ الأزمة». ألا تتفقون معي في هذا التوصيف للدولة اللبنانية؟

 

لكأنها أبواب برج بابل. على شاكلة الساسة الفرنسيين، الساسة اللبنانيون اشتهروا بالثرثرة. الفارق أن الفرنسيين يفكرون ديكارتياً. اللبنانيون يفكرون بطريقة سبع ومخول ونصري. الفانتازيا الضاحكة أم الفانتازيا السوداء؟

 

جان ـ ايف لودريان جال بين المستحيل والمستحيل. ربما ليقول، في تقريره الى الاليزيه، ان المستحيلات لا تصنع رئيسأ للجمهورية. لا نتصور أن ثمة أزمة تشبه الأزمة اللبنانية. في مقالة في «الفيغارو» تساؤلات حول أولئك القادة الذين هم مزيج من دونكيشوت ومكيافيلي. تخلص: القادة المدينون في بقائهم للأزمات ً!!

 

لعل ايمانويل ماكرون نقل الى مبعوثه ما جرى بينه وبين الأمير محمد بن سلمان حول لبنان. كاد ولي العهد السعودي يعلن «القرف» من الساسة اللبنانيين. استغرب كيف يمكن أن يأخذ الصراع حول طربوش فارغ ذلك المنحى الجنوني، في حين أن الدولة تعدت مرحلة الانحلال الى مرحلة الزوال…

 

لعلمكم لودريان لم يحمل معه الضوء الأخضر الأميركي. الفرنسيون يشكون من اللغة الضبابية التي تتحدث بها واشنطن. كل ما لديهم حول موقفها من لبنان ما يصدر عن باربرا ليف وفيكتوريا نولاند. رئيس خارج منظومة الفساد، ولا يكون ظلاً لدمشق أو لطهران

 

الأميركيون ليسوا مبدئيين الى هذا الحد. مستعدون، من أجل مصالحهم، أن يرقصوا التانغو مع الشيطان. هذا ما يثير قلق الفرنسيين الذين يخشون أن تستخدم ادارة جو بايدن لبنان كورقة بين أوراق التفاوض بينها وبين آيات الله حول اعادة احياء الاتفاق النووي.

 

المعلقون البعيدون نسبياً عن التسونامي الأميركي يقولون ان الادارة اياها تريد فعلاً احياء الاتفاق، لكن المشكلة في الشروط الاسرائيلية التي تكاد تقول بتجريد ايران من السلاح. هل يمكن للجمهورية الاسلامية أن تأخذ بنموذج امارة موناكو؟

 

ويبدو أن الشرط الأميركي بالحد من التمدد الجيوسياسي الايراني في الشرق الأوسط قد تراجع بعد اتفاق بكين بين السعودية وايران. اسرائيل صدمت بالاتفاق…

 

الفرنسيون يعتبرون أن ما يعني الأميركيين موضوع ترسيم الحدود. وعلى هذا الأساس اذا ما انتخب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية لن يتعاملوا معه مثلما تعاملوا مع الرئيس ميشال عون الذي انهالوا عليه بالمطرقة لحظة أن وطأ أرض القصر. الأبواب العربية كلها أقفلت في وجهه.

 

الآن جو بايدن، المنشغل في أمكنة أخرى، والأقل اهتماماً بملفات المنطقة، لا دونالد ترامب الذي حمل «صفقة القرن» على ظهره لتسويقها عنوة، والى حد اعادة صياغة البنية الايديولوجية للشرق الأوسط.

 

الأميركيون وان كانوا يمارسون السياسة، بالرغم من معجزاتهم التكنولوجية، بطريقة رعاة البقر، يعلمون أن لبنان بعيد، في الظروف الاقليمية، والدولية، الراهنة، عن الانفجار.

 

في هذا الاطار تتحرك الديبلوماسية الفرنسية التي تراجعت ديناميكيتها الى حد كبير بسبب العصا الأميركية. ما على لودريان الا أن يجول بين المستحيلات. ولكن حين لا تتيح المستحيلات صناعة رئيس للجمهورية، كيف لها أن تتيح صناعة الجمهورية؟

 

في هذه الحال، لمصلحة من بقاء لبنان في حالة «اللادولة». اللبنانيون الذين ناموا أربعة قرون تحت النير العثماني يستطيعون تدبير أمورهم بالحد الأدنى من الدولة.

 

تحقيقات في صحف عالمية حول «هذا البلد العجيب»، وكيف يتكيف اللبنانيون مع الكوارث (والحقيقة أننا نتواطأ مع الكوارث). لا رئيس جمهورية في القريب، بانتظار أن يتبلور المشهد الاقليمي، وربما المشهد الدولي ً.

 

من زمان تلاشى مفهوم الدولة في لبنان. جان ـ ايف لودريان يعلم أنه أمام طريق طويلة وشاقة، وان راهن البعض على احياء «دولة لبنان الكبير» من القصر الذي أعلنت فيه هذه الدولة. ايمانويل ماكرون حاول مرتين. ما كانت النتيجة…؟!