IMLebanon

خطوة نوعية للحكومة في سجن رومية لن تكتمل إلا بالبدء بمحاكمات فورية

سجلت الحكومة قبل يومين خطوة نوعية بإعادة السيطرة على سجن رومية، وتحديداً المبنى “ب” الخاص بمن عرفوا بـ”الموقوفين الاسلاميين”، بعدما تحوّل بقعة عصية على الدولة وشكّل أسوأ نقاط ضعفها، إذ كان السؤال الأبسط الذي يواجهها كل يوم هو: أي دولة هي تلك التي لا تستطيع السيطرة على أحد سجونها، بل على جزء منه؟! كانت بالفعل خطوة نوعية تسجّل أيضاً لوزير الداخلية نهاد المشنوق الذي أشرف شخصياً على تنفيذ قرار متخذ منذ أشهر تحت عنوان ضبط الوضع في سجن رومية، وقد اختار التوقيت الذي وجده مناسباً لتنفيذه.

وهذه الخطوة، على أهميتها، تبقى منقوصة ولا يمكن أن تكتمل إلا من خلال استتباعها بخطوات، أولاها البدء فوراً بمحاكمة “الموقوفين الإسلاميين” وقد أمضى معظمهم نحو عشر سنوات من دون محاكمة، وهذا ما لا يحصل في أي دولة تحترم نفسها وإنسانها، بل في الدول المتخلفة والأنظمة الديكتاتورية، ومن حق هؤلاء الموقوفين على الدولة، بكل أجهزتها القضائية والعدلية، البدء بمحاكمتهم في أقرب وقت، ولا مبرر على الاطلاق للتباطؤ والتذرّع بحجج واهية وغير مقنعة على الإطلاق، وبعضهم سيستحق تعويضات إذا كانت مدة سجنه المتوقعة، أقل من الفترة التي أمضاها في التوقيف، وقد قالها صراحة ذات يوم أحد المسؤولين، إذ لفت الى أن بعض هؤلاء “أصبح له عندنا”… ومن الموقوفين أنفسهم مَن ناشد المسؤولين التعجيل في المحاكمة مؤكداً القبول بالحكم أياً يكن!

وأما الخطوة التالية – وفي موازاة البدء الفوري بالمحاكمات، فينبغي أن تكون إحكام السيطرة على سائر مباني سجن رومية، وعلى كل السجون في كل المناطق اللبنانية، إذ أنه باعتراف المسؤولين، ولا سيما المعنيّين منهم بالسجون، فإن الفساد يعشش في بعض المؤسسات، وأن ثمة موظفين وعسكريين تورطوا في تهريب وسائل اتصال وممنوعات الى السجناء في رومية وغيرها، ولم يكن مصادفة تهديد وزير الداخلية بإنزال أشدّ العقوبات بأي ضابط يتحمل مسؤولية التهريب أو التواطؤ على اختلافه.

وأما حال السجون وقدراتها الاستيعابية فحديث يطول، وأوضاعها المزرية جعلت القول إن السجون يجب أن تكون مدارس لإعادة التأهيل، كلاماً من الماضي تجاوزه الزمن، ونكتة غير “مهضومة”…

وفي آخر الاحصاءات أن تعداد السجون في لبنان 42 سجناً ونظارة، عدا السجون العسكرية. وباعتراف ممثل لوزارة العدل في ندوة عن أوضاع السجون، فإن تعداد السجناء في لبنان هو 5798، 63% منهم لم تصدر أحكام بهم، فيما صدرت أحكام بـ37% منهم فقط! والى ذلك بات معروفاً أن أعداد السجناء في كل غرفة أو قاعة، هو أضعاف مضاعفة فوق حجم القدرة على الاستيعاب.

وأياً تكن أوضاع السجون بكل تداعياتها، فإن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة. وفي استطاعة الوزير المشنوق، أن يتابعها كما يجب، ليس فقط من موقعه كوزير للداخلية، بل من موقعه السياسي التحاوري، ووفق نهج اختطه منذ البداية. وفي خطواته الميدانية محطتان بارزتان: الأولى عندما توجّه بعد أيام من تشكيل الحكومة الى مكان الانفجار الذي استهدف مركزاً تابعاً للسفارة الايرانية حيث وافاه مسؤول “لجنة الارتباط والتنسيق” في “حزب الله” وفيق صفا، والثانية عندما توجّه قبل أيام الى طرابلس متفقداً موقعي الانفجارين اللذين استهدفا منطقة جبل محسن، وقد لقيت تصريحاته ارتياحاً في المنطقة المستهدفة وفي عاصمة الشمال عموماً، وقد نوّه بمضمونها رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط. ومن هنا احتمال قدرة الوزير على متابعة عملية ضبط الأوضاع في السجون حتى النهاية، وهي خطوة لن تكتمل وفق أكثر من رأي سياسي، إلا بالبدء الفوري بمحاكمة “الموقوفين الاسلاميين”، فإذا فعلها المشنوق يصبح في استطاعة محدثه أن “يعرف حاله مع مين عم يحكي”…

وسواء في الشأن الأمني أو القضائي، فإن “الحمل ثقيل” على الحكومة مجتمعة، وهو أكبر من قدرة هذا الوزير المعني أو ذاك. فالواقع السياسي يجعل قدرة أي وزير، أياً تكن، محدودة المفاعيل، ويضعف موقفه في الداخل وأحياناً في الخارج، عندما يتعلق الأمر بشأن إقليمي أو دولي، وآخر مثال على ذلك، الموقف من الاجراءات الحكومية على الحدود اللبنانية – السورية، وقد وصفها أكثر من وزير ومسؤول أمني، بأنها ليست “طلب فيزا” من النازحين أو الزوار السوريين الموقتين، بل “مجرد سؤال” عن هدف الزيارة ومكان الإقامة ومدتها. وكان لافتاً أن الموقف السوري الذي عبّر عنه سفير سوريا في لبنان علي عبد الكريم علي، كان “أكثر مرونة من الكثير من المواقف المحلية”، وقد غمز معنيون بالاجراءات من قناة أحدهم، وهو الأمين العام للمجلس الأعلى السوري – اللبناني نصري خوري الذي أدلى بتصريح اعتبر فيه أن الاجراءات اللبنانية على الحدود “مرفوضة”، في وقت أكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم “استمرار التدابير المتخذة لتنظيم الدخول السوري الى لبنان وهدفها تخفيف الضغط نتيجة الوضع القائم في البلاد” وأن “أي تعديل في شأنها رهن بالقرارات السياسية للحكومة” وأن “موضوع التأشير لس وارداً”. وكان ابراهيم يتحدث من الحدود اللبنانية – السورية خلال تفقده مراكز الأمن العام هناك.