Site icon IMLebanon

سباق لـ«تثمير» معارك الجرود على وقع التحوّلات في سوريا والمنطقة

    مظلّة برّي السياسية لاندفاعة «التطبيع» مع النظام السوري مؤشِّر لبداية مرحلة جديدة

    سؤال يدور في كواليس 8 آذار: إلى أي مدى يمكن للحريري أن يذهب في «الكباش» السياسي الآتي؟

يسود الاعتقاد لدى كثير من المراقبين أن لبنان أصبح في الفصل الأخير من محاولات إلحاقه الكلي بالمواجهة الدائرة في المنطقة، وأن سياسة النأي بالنفس الرسمية عن مجريات الصراع الذي يشهده الإقليم قد تكون تلفظ أنفاسها الأخيرة. ما يعزز هذا الاعتقاد الخروج الجلي لرئيس مجلس النواب نبيه بري من المساحة الرمادية التي سعى إلى اعتمادها خلال السنوات الماضية منذ نشوء الأزمة السورية، حيث أنه حاذر أن يكون في العلن في موقع يمكن تظهيره على أنه خروج عن التوازنات السياسية الداخلية. فإعلان بري أحد قطبي «الثنائية الشيعية» من طهران بأن لا مفرّ من التواصل مع النظام السوري الذي يمثله بشار الأسد هو مؤشر على ضيق هامش المناورة ولو الصورية، وأن وقت الفرز قد حان. فخطوة بري لا يمكن اعتبارها أنها تندرج في إطار «سبر الأغوار» أو «جس النبض» الداخلي، بل في سياق تأمين المظلة السياسية الأعلى لحلفاء المحور السوري – الإيراني في البلاد في اندفاعتهم نحو تطبيع العلاقة اللبنانية- السورية.

وإذا كان هذا الملف شابه الحل «الرمادي» في جلسة مجلس الوزراء الاخير، من زاوية تجنيب الحكومة الهزات السياسية على قاعدة إبعاد الملفات الخلافية التي يمكن أن تفجر حكومة «ربط النزاع»، فإن ذلك لا يعني، وفق حلفاء المحور السوري- الإيراني أن الملف قد تمً تجاوزه عبر «التسوية الضبابية والملتبسة» للمجلس الذي أقر بإمكان حصول زيارات وزارية بصفة شخصية إنما من دون غطاء مجلس الوزراء.

في رأي هؤلاء أن ما جرى في مجلس الوزراء ليس سوى البداية في مقاربة هذه المواجهة التي ظهّرت الانقسام السياسي بين فريق «الثنائية الشيعية» و«التيار الوطني الحر» الداعي للتطبيع وفريق «تيار المستقبل» و«حزب القوات اللبنانية» الرافض له، فيما وقف الفريق الذي يمثله الحزب التقدمي الاشتراكي على الحياد. وهي مواجهة سوف تأخذ وتيرة تصاعدية في الفترة المقبلة، لأن «الثنائية الشيعية» ومن معها من حلفاء دمشق – طهران قد خطوا خطوة لا مكان للتراجع عنها، بعدما نقلوا الخطاب والمقاربة السياسية والاستراتيجية إلى مستوى جديد. وهم في هذا السياق ينتظرون كيفية تعاطي «التيار الوطني الحر» مع مسألة الدعوة الموجهة لوزيره رائد خوري وما إذا كان سيلبيها من دون غطاء مجلس الوزراء، إلى جانب وزير «حزب الله» حسين الحاج حسن ووزير «حركة أمل» غازي زعيتر اللذين سيتوجهان إلى العاصمة السورية للمشاركة في معرض دمشق الدولي، ذلك أن كيفية تعاطي «التيار» مع الدعوة لها دلالاتها السياسية التي ستحدد المسار التي ستسكله الأمور. فرهان حلفاء محور دمشق- طهران أن رئيس الجمهورية يملك راهناً قدرة سياسيةً أكبر في الدفع باتجاه الانفتاح على سوريا، بعدما أقتصر العلاقة المعلنة على استقباله الموفد الرئاسي السوري منصور عزام الذي جاءه مهنئاً يوم تولي سدة الرئاسة، وهو رغم أنه زار عواصم عربية ودولية إلا انه تفادى زيارة إيران وسوريا، على الرغم من أن وصوله إلى الرئاسة الأولى جاء بدفع إيراني، وهو في رأي فريق 8 آذار شكل بداية اختلال التوازن لمصلحة هذا المحور.

واللحظة بالنسبة لهذا المحور هي «لحظة التثمير» في السياسة لنتائج معركة جرود القلمون الغربي وجرود عرسال. وهي تأتي على وقع التحول في المشهد السوري سواء على الخط الميداني أو على الخط السياسي الذي يسجل بداية انفتاح على النظام من الخارج ولو أن مساره بطئياً. وتشكل تالياً جزءاً من لعبة تحسن الأوارق والمواقع في السباق المحموم بين الاطراف الدولية والإقليمية الذي يتجاوز الرقعة السورية إلى مناطق الصراع في المنطقة. فالمنظومة الإيرانية ترى أن نجاحها في معركة تطبيع علاقات لبنان مع النظام السوري يشكل تكريساً لوقائع سياسية جديدة ولغلبة نفوذها على لبنان، في الوقت الذي ترتكز فيه التسوية الأميركية – الروسية على تقويض نفوذ اللاعبين الاقليميين، وفي مقدمها إيران والمليشيات الشيعية التابعة لها.

فـ«حزب الله» الذي يدرك أن قواعد اللعبة في سوريا تتغير وأن مرحلة انفلاشه على المساحة السورية إلى انكماش، يسعى إلى تحسين أوراقة على الرقعة اللبنانية، بما يجعله قادراً على مواجهة الحرب المعلنة عليه أميركياً، والتي تشكل العقوبات أحد وجوهها، لكنها بالنسبة إليه ليس الوجه الأخطر عليه، ذلك أنه ينظر بكثير من «الريبة» لمحاولات الدفع في إتجاه توسيع القرار الدولي 1701 ليطال الحدود الشمالية والشرقية للبنان مع سوريا، الذي يعني قطع شريان التواصل البري مع سوريا، في وقت يتولى الأميركيون رعاية ودعم الجيش اللبناني في معركة جرود رأس بعلبك والقاع مع «داعش»، وسط تأكيد المجلس الاعلى للدفاع الإلتزام بالتحالف الدولي ضد الإرهاب، في وقت تحذّر فيه واشنطن من أي شراكة بين الجيش و«حزب الله» الذي تعتبره منظمة إرهابية فيما يجهد لتقديم نفسه على أنه جزء من منظومة مكافحة الإرهاب.

ورغم ان أوساط لصيقة بـ«حزب الله» حرصت على إدراج توصيف امينه العام السيد حسن نصرالله قبول الجيش للمساعدة الأميركية بـ«الإهانة» في معرض الرد على الاعتراض الأميركي لمشاركة الحزب في المعركة، فإن بعض المراقبين يرون أن موقف نصرالله يخفي في طياته قلقاً من وقائع جديدة قد تفرضها معركة جرود رأس بعلبك والقاع، بحيث تسثتمر سياسياً في إطار خلق مناخات ضاغطة على سلاحه بعدما نجح الحزب بعد معركة جرود عرسال في كسب تعاطف شريحة واسعة من المسيحيين، ولاسيما في صفوف التيار العوني بوصفه قادراً أن يشكل منظومة آمان لها في وجه الارهاب ذات الطبيعة السنية، وهي شريحة كانت على مر العقود تعتبر في أن السلاح الشرعي وحده هو الضمانة، وسبق أن خاض زعيمها يوم كان رئيساً للحكومة العسكرية وقائداً للجيش معارك شرسة ضد ما كان يعتبره سلاحاً مليشياوياً.

وإذا كان خروج بري من المنطقة الرمادية قد شكل إيذاناً ببداية مرحلة جديدة لحلفاء إيران، فإنهم يطرحون في الكواليس سؤالاً عن المدى الذي يمكن أن يذهب اليه الحريري في «الكباش السياسي» الآتي لا محالة. سؤال تتعلق على إجابته مدى قدرة الحكومة على الصمود، وإن كان ثمة من في «تيار المستقبل» يعتبر أن سيناريو الإطاحة بالحكومة على غرار سيناريو 2011 لن يتكرر، لأن ذلك كان جزءاً من تفاهم عون- الحريري، لكن الاستقالة إذا كانت لتحصل، فإن المبادرة ستأتي من الحريري نفسه، ذلك أنه لن يكون بمقدوره السير بأي خطوة من شأنها أن تكرس النفوذ الإيراني على لبنان وجعله ملحقاً رسمياً بهذا المحور في لحظة التحولات الكبرى في المنطقة.