IMLebanon

ثورة حقيقية  وبطل مزيّف

أهم تطور في أميركا ليس انتخاب رجل مثل دونالد ترامب رئيسا بل المتغيرات التي قادت الى التصويت ضد المؤسسة والنخبة. الانتخاب جاء صدمة للمرتاحين الى الستاتيكو في أميركا والعالم. والمتغيرات تفتح نافذة فرصة لضحايا العولمة واللامساواة في أميركا والعالم. وهي متغيرات في البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية ضربت الطبقة الوسطى والطبقات التي تحتها بقوة العولمة ودفعت تلك الطبقات الى وعي الظلم والتمرّد عليه. حتى في أوساط النخبة، فان هناك من رأى مبكرا أزمة العولمة. وفي أوساط الشباب من نزل الى الشارع للاحتجاج مثل جماعة احتلوا الوول ستريت، ومن سار وراء البرنامج اليساري للسناتور بيرني ساندز الذي خسر أمام هيلاري كلينتون في التنافس على ترشيح الحزب الديمقراطي.

ذلك ان النخب الأميركية، سواء كانت خادعة أو مخدوعة، أنتجت على مدى سنوات عددا هائلا من الكتب والدراسات معتبرة ان العولمة قوة ثورية مرشحة لتغيير الأنظمة والشعوب في القرية الكونية وزيادة الثروة. والنخب العربية، سواء كانت في اليسار أو في اليمين والوسط، رأت في العولمة مؤامرة أميركية على العالم الثالث وحتى على أوروبا لتكريس الهيمنة الأميركية على العالم سياسيا واقتصاديا وتجاريا.

لكن العولمة ضربت أميركا التي تضاعف فيها الدخل القومي ست مرات وصار دخل الموظف اليوم أقل مما كان عليه قبل ٤٢ سنة، وذهب ٩٣% من زيادة الدخل الى طبقة ال ١% على القمة، كما قال جوزف ستيغليتز. وهو اختصر الواقع بصورة بالغة التعبير: تركيز الثروة على القمة، تجويف الوسط، وزيادة الفقر في الأسفل. لا بل ان ريتشارد هاس يقول في كتاب عنوانه الفرصة ان التهديد الأساسي للأمن القومي الأميركي يأتي من الجانب المظلم من العولمة. وبين الكتب التي صدرت حديثا واحد تحت عنوان اضطراب ضروري: أميركيون في ثورة ترى مؤلفته سارة جاف ان أميركا مثل قِدر فوق شعلة السخط الاقتصادي على وشك الغليان.

ولم يكن ما حدث في الانتخابات الرئاسية سوى بداية الغليان. فما فعله ترامب هو توظيف اللامساواة ومظالم العولمة في معركته. إذ كان شعاره الأمركة، لا العولمة هي عقيدتنا الجديدة. وأقل ما التزمه في وضع أميركا أولا هو رفض اتفاقات التجارة الحرة، ودفع الشركات الى الانتاج في أميركا، وزيادة الاستثمار على البنية التحتية لخلق فرص العمل.

لكن ترامب ليس خارج ال ١% على قمة الثروة، وان كان من خارج المؤسسة. واذا كان الاضطراب بداية ثورة حقيقية فان ترامب هو البطل المزيّف.