ماض قريب يعيد التذكير بما حققه زعماء المنطقة للبنان
مواقف ثابتة يجسدها الثلاثي الحاكم
واستمرارها قائم على الرغم من التباينات
يمر الأسبوع بصعوبة، والقضايا العالقة اصبحت معلقة، على التطورات الجديدة والسابقة، وتستقبل البلاد غداً وبعده أعياداً جليلة، كما عاشت خلال الأيام السابقة أعياداً مجيدة بمعناها الديني أحياناً.
ثمة أسئلة تطرح ولا تلقى جواباً شافياً: لبنان إلى أين؟ هل هو ذاهب الى المجهول، أم عائد الى المعلوم؟ كان الرئيس الراحل كميل شمعون يقول في منتصف الخمسينات للأستاذ نصري المعلوف بعد تعيينه وزيراً في احدى حكوماته، ان الخوف على لبنان مرض يصعب الشفاء منه، الا اذا شعر السياسيون فيه، بأنهم اقوى من المصاعب، وأضعف من النتائج، في العام ١٩٥٦. وبعد انعقاد قمة عربية في العاصمة اللبنانية، قال رئيس الجمهورية يومئذٍ لوزير المالية: تذكر يا نصري المعلوف، ان البلاد تواجه أزمات، لكنها قابلة للحل. واستطرد: لقد عملت سفيراً للبنان في الولايات المتحدة والمملكة البريطانية، وعاصرت كبار رجالات العالم، بعضهم امعن في معارضتي، وبعضهم الآخر جاهر بتأييده لي. وكنت بالنسبة اليهم الفتى الأغر الذي يخرج من الصعاب، وهو أقوى من السابق.
في الأسبوع الفائت، كان اللبنانيون في باحة دير القمر، يقفون على بعد أمتار من كنيسة سيدة التلة وينظرون باعجاب الى تمثال كميل شمعون، وكأنهم يتذكرون رجالات الماضي العريق، في هذا الحاضر البائس.
في تلك الأيام، كان كمال جنبلاط قد اختلف مع كميل شمعون، بعد صداقة وتحالف كبيرين. وكان كميل شمعون دعا الى مؤتمر وطني في دير القمر. ويروي الاستاذ عزت صافي، ان كمال جنبلاط طلب من سائق سيارته أن يذهب به من المختارة الى دير القمر. وامتثل السائق لطلب معلمه، وحضر المؤتمر الوطني في بلدة الدير وعاد من ثم الى المختارة. يقول عزت صافي انه هكذا كانت طريق المختارة في عصر كمال جنبلاط.
يعود اللبنانيون الى تلك الأحداث لمقارنتها بما يحدث اليوم بين السياسيين. طبعاً، كانت ثمة غيوم داكنة، وأحداث سود، لكن الكبار كانوا كباراً في الخصومات، مثلما كانوا كباراً في الصداقات. ولذلك شاع في أيام الأزمات القاسية، أن كميل وكمال يختلفان في المنطق، ولا يختلفان في المنطقة، لكن نصب كميل شمعون في باحة دير القمر، ظل يرمز الى السياسة الإنتخابية الجديدة. الى جانب صور جديدة للنواب الجدد، جنباً الى جنب مع عبارات قديمة العهد، تشير الى أحداث بشعة حدثت في التاريخ القديم. عندما كان الرئيس أديب الشيشكلي رئيساً للجمهورية السورية اتصل برئيس اركان الجيش السوري، وهو من جذور لبنانية، وسأل الزعيم شقير عمن يرى أن تؤيد سوريا، الاستاذ حميد فرنجيه أم كميل شمعون، فرد القائد السوري الشهير، بان لقب كميل شمعون كان فتى العروبة الأغر فقالت سوريا كلمتها الى جانب ابن دير القمر.
تذكر اللبنانيون هذه الواقعة، وهم يتناولون الموقف اللبناني من سوريا، على أبواب المصالحة المقترحة بين النظام السوري برئاسة الدكتور بشار الأسد، والنظام اللبناني بقيادة الرئيس سعد الحريري الذي أيده ٥١ نائباً في الاستشارات النيابية الأخيرة، وقال معظمهم ان سوريا بشار الأسد ليست كسوريا حافظ الأسد في أيام رئاسة سليمان فرنجيه، والقصة تكبر وتطول، وتطاول الأحداث التي جعلت الرئيس سعد الحريري يعارض الذهاب مرة أخرى الى دمشق، ويطوي صفحات مترعة بالألم للنظام السوري تجاه لبنان، وان كان أصدقاء سوريا في لبنان يضعون علامات استفهام حول استعداد النظام في دمشق لفتح صفحة جديدة مع رئيس الوزراء اللبناني المحتمل، بعد التأليف المرتقب!
أنظمة صعبة في الآفاق
المراقبون لمجرى الأحداث، يقولون ان اللعبة السياسية تغيرت، وان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يقف في موقع الرئاسة الأولى موقفاً كبيراً، فهو يتمسك بأن تكون الرئاسة الأولى، عالية فوق المهاترات، ويمسك بان تكون لها حصة وزراء وازنة وحقائب سيادية معروفة، لا تكون من الفضلات.
وفي رأي أهل المعرفة، ان العماد ميشال عون ليس مثل سواه، أي انه يقبل بما تترك له من حقائب وليس من الذين يرضخون للطامعين بحقائب وزارية يحصل عليها الأقوياء لا الضعفاء.
وفي المعلومات ان الرئيس العماد ميشال عون، متفق مع رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الوزراء على الحفاظ السليم للحقائب الكبرى، مثل وزارة الدفاع، أو وزارة الخارجية والمغتربين، أو وزارة الطاقة التي تعتبر أساسية في موسم البحث عن البترول.
صحيح، ان النتائج الإنتخابية الأخيرة، أعطت حصصاً وزارية لبعض الكتل، لكن ثمة عقدتين بارزتين هما عقدة الوزراء الدروز الثلاثة وعقدة وزراء القوات اللبنانية، وعقدة وزراء الطائفة الإسلامية السنية. وعقدة الثنائي الشيعي أي حزب الله وحركة أمل، لكن الأمور معلقة على التوافق بين حزب التيار العوني وتيار المستقبل بزعامة سعد الحريري.
والواضح، حتى الآن ان الرئيس العماد ميشال عون باقٍ بعيداً عن الصراعات، تاركاً لرئيس حزب التيار جبران باسيل تولي هذا الأمر مع رؤساء الكتل الأخرى، ومنها استعداد الرئيس نبيه بري لجعل الوزير الشيعي الثالث من كتلته أي عبر ترجيح النائب أنور الخليل ليكون الوزير الدرزي الثالث، إلى جانب وزيرين يختارهما الزعيم وليد جنبلاط، على الرغم من مرور هذا الحل بمصاعب بارزة أبرزها اعلان الرئيس بري عنها، طرح الموضوع خلال اجتماعات عقدها سابقاً مع أعضاء كتلته النيابية.
والعقدة الجديدة ظهرت من جانب كتلة المستقبل ساعة ظهر تصريح منسوب لمصدر قريب من حزب الله لا ينطوي على ودّ سياسي للرئيس سعد الحريري، مما أشعل النار مجدداً بين الفريقين، على الرغم من وداد سياسي حرص رئيس المجلس على إبقائه.
الا ان طرح الرئيس برّي لموضوع تحسين العلاقة بين المستقبل وحزب الله وسوريا رجح عودة التوتر إلى صلب العلائق مع الأفرقاء الثلاثة. وهذا ما جعل بعض نواب المستقبل يستبعدون التأليف في المدى المنظور، خصوصاً اصرار الفريق المناهض لتيار المستقبل. ظهور مواقف ايجابية من الرئيس سعد الحريري تجاه النظام السوري.
وفي رأي الاوساط العليمة ببواطن الأمور ان الطبخة الحكومية لن تنضج إلا بعد عيد الاضحى المبارك، على الرغم من التوقع السابق للتشكيل قبل مرور ٧٢ ساعة على المفاوضات الجارية.
وقصة التعقيد تظهر يومياً في ضوء بيانات صادرة عن لجنة الإنتخابات النيابية والمساعي القائمة لطي الموضوع قبل تفاقم الأزمة.
إلا ان النائب ماريو عون يقول ان الموضوع يبقى مجمداً بانتظار اجتماع مرتقب بين رئيس الجمهورية العماد عون، ورئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، بعد عودته من رحلته الخارجية مع زوجته النائبة السيدة ستريدا جعجع. وفي تعبير خاص يردده أصدقاء حزب القوات اللبنانية ان التفاهم بين رئيس الجمهورية والحكيم هو أقرب الى التفاهم منه إلى التباعد.
وينسب في هذا المجال إلى الوزير السابق ادمون رزق، ان الجهود المبذولة لتحقيق تقارب مسيحي على صعيد التقارب، الثلاثي يلاقي أصداء إيجابية أكثر من السلبيات في نظر النائب الثاني لرئيس حزب الكتائب الوزير السابق سليم الصايغ.
بيد ان الوزير السابق والنائب الجديد ماريو عون يؤكد ان الرئيس العماد عون يتمسك بثلاثة مواقف يقول ان الآخرين لا يحيدون عنه وهي:
أولاً: ان رئيس الجمهورية متمسك بتفاهمه مع الرئيس سعد الحريري عشية انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية.
ثانياً: ان العماد عون ملتزم ببنود إتفاق الطائف، كما يراه هو لا سواه، وهو ممارسة حقوقه الدستورية، في رفض أو الموافقة على أي حكومة يقترحها الرئيس المكلف، ولا يقبل تحت أي ضغوط تمارس عليه للتنازل عن صلاحياته الدستورية، في أي مغامرة تعرض عليه كما كان يحدث في السابق إبان عهد العماد ميشال سليمان.
ثالثاً: ان العماد عون لا يقلقه موقف النائب جبران باسيل، من انه يسعى الى رئاسة الجمهورية المقبلة.
استغراب لا انطواء
ويقول مرجع قريب من تيار المستقبل ان الحملة البيروتية على حزب الله لا يستغربها أصدقاء سعد الحريري، لأنها تنطوي على انطواء على التفاهم إلا ان رئىس تيار المستقبل سبق وزار سوريا، وعقد قمة مع الرئىس بشار الأسد، ما لبثت نتائجها ان ذهبت أدراج الرياح، وهو لا يريد تكرار تلك العثرات وان على الجانب الآخر أن يصحح أخطاءه المزمنة واللاحقة.
وفي معلومات النائب السابق باسم الشاب ان تكتل المستقبل أصيب بخيبة أمل مريرة، عند فشل مرشحه النائب الشاب أم رئيس الطائف الانجيلية، وهو لمس هذه النتيجة قبل الإنتخابات عندما رفض الخوض في الموضوع الإنتخابي قبل حصوله لأنه لم يكن متأكداً من موقف التيار الوطني الحر تجاهه، وانه ماضٍ في تأييد الرئىس سعد الحريري بوصفه زعيماً بيروتياً معروفاً.
ويقول النائب السابق الدكتور عاطف مجدلاني انه ماضٍ في الوقوف إلى جانب الرئيس سعد الحريري، لان لا وجود لسواه في زعامة تيار المستقبل كما كان هذا شأن والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل العام ٢٠٠٥.
ويعتبر الرئيس تمام سلام ان تحالفه مع سعد الحريري، هو ثابت ونهائي، وان انعطافه مع المملكة العربية السعودية، هو التفاهم نفسه الذي كان يجمع بين المملكة وبين والده الرئيس صائب سلام الذي دفع الكثير، الكثير، إلى جانب المملكة في سبيل تعاون مثمر بين صائب سلام وأصدقائه في الرياض، وهذه إحدى أهم وجوه الصداقة التي كانت قائمة تاريخياً بين الرئيس الشهيد رفيق الحريري والقيادة السعودية.