IMLebanon

ردّ إقليمي على العدوان الروسي؟

من غير المفيد الاعتماد على “حكمة” القيادة الروسية لوقف عدوانها على سوريا. ومن غير المفيد الاتكال على الاتصالات لإقناع الرئيس فلاديمير بوتين بمواصلة تنفيذ خطته لدعم نظام بشار الأسد، وتغيير المعادلة بمحاولة القضاء على الفصائل السورية المعارضة التي تقاتل على جبهتي “داعش” وبشار مع الإيرانيين والروس. فلقد دخل بوتين ساحة القتال بعد فشل الإيرانيين وميليشياتهم وفي مقدمها “حزب الله” في منع بشار من الانهيار. وصل الروس الى الساحة فيما الثوار يقتربون من عقر داره في منطقة الساحل، وبعدما فشل الإيرانيون في الوسط والجنوب في إحداث اختراق عسكري. ومن الواضح أن بوتين يربط عدوانه بـ”كرامة” بلاده كقوة عظمى لا تستطيع أن تتراجع، وهي في بداية عملياتها العسكرية. ومن هنا سوف يتوسع التورط الروسي في كل اتجاه، في محاولة حثيثة لإلحاق الهزيمة بالفصائل المعارضة المنتشرة في مناطق بعيدة عن مناطق “داعش”، وسيرتفع عدد الجنود على الارض في القواعد العسكرية التي بدأ العمل على تأهيلها لاستقبال الآلاف من الجنود، بالتوازي مع بدء تدفق قوات إيرانية، وميليشيات مذهبية من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان للتحضير لعمليات برية.

ما تقدم لم يعد سراً. موسكو لن تتراجع الآن، بل هي في طور توسيع عدوانها ورفع وتيرته. لذا ليس أمام الفصائل السورية المعارضة سوى الصمود في انتظار تطور جدي في الموقفين الاقليمي والدولي. والاشكالية هنا ان دول الاقليم الداعمة للثورة السورية كالسعودية وقطر منشغلة بحرب اليمن الكبيرة والحاسمة، اما تركيا فموقفها حساس نظرا الى تقاطع واقعها الاقليمي مع انتمائها الى “حلف الناتو”، وتماسها المباشر مع روسيا. وبالوصول الى مصر، فقد أكدت ان “مصر السيسي داعمة لبشار الأسد، وللخيارات الايرانية – الروسية في سوريا”. وهذا تحول خطير للغاية ينبغي مراقبته بدقة من دول مجلس التعاون الخليجي. اما الموقف الدولي فمشتت بفعل غياب أميركا – أوباما عن المسرح، وتفضيلها الجلوس في المقعد الخلفي والانكفاء. ان الرئيس الأميركي باراك أوباما غير راغب في الإقدام على أي تحرك في سوريا أو غيرها، ويرسل إشارات واضحة إلى الحلفاء بضرورة عدم الاعتماد على أميركا في عهد الإدارة الحالية. وعليه، فالأوروبيون منقسمون وعاجزون عن التحرك في غياب سياسة خارجية موحدة للاتحاد الأوروبي.

بناء عليه، يجب توقع توسع العدوان الروسي لأسابيع طويلة. ولكن من المهم بمكان لدول الإقليم ألا تجلس متفرجة، فيما يهم الروس والإيرانيون باقتحام المنطقة من البوابة السورية، ويحاولون إحداث تغييرات دائمة في طبيعة المشرق العربي (ديموغرافيا وطائفيا) بالقوة المسلحة. هذا الحدث الكبير يستدعي عملاً إقليمياً مشتركاً سعودياً – تركياً تنضم إليه قطر وغيرها من دول المنطقة الحليفة لمواجهة أكبر عدوان يشن على المنطقة منذ 1948 مع نشأة إسرائيل. إن ما يحصل على الأرض اليوم سيحدّد مصير المشرق العربي لمئة عام.