ليس غريبًا أن يدفع أرباب السلطة النقاش حول مفهومَي الأكثرية والنسبية، بالاتجاه التقني. أي إدخال النقاش في دهاليز التمثيل، وصولًا في بعض الأحيان إلى الحديث عن «صعوبة فهم» الشعب اللبناني للنسبية وضرورة إنشاء مدارس خاصة بها قبل إقرارها كقانون. ولعل بعض مؤيدي النسبية يغرقون بالخطأ نفسه عند تبرير النسبية؛ يدخلون في مدى قدرتها على تحقيق عدالة التمثيل حصراً، وهذا مهم بحد ذاته، برغم كونه ليس الأهم. ولعل بعض مؤيدي النسبية ومنهم بعض «قادة» اليسار، بدأوا يدعون للمساومة حول أضلع النسبية والدائرة الواحدة وإلغاء الطائفية، لأنهم كما أطراف السلطة ينظرون للأمر من الناحية التقنية.
ولعلنا نظلم أطراف السلطة، فهذه القوى تتمسك بقانون الستين أو ما يشابهه، ليس بهدف تجديد مواقعهم فقط، بل بالأساس للحفاظ على النظام السياسي.
إذا ما تناولنا بالتفصيل مشاريع الانتخاب المطروحة، يمكن القول إن المشاريع الموجودة على طاولة الحوار واللجان المشتركة، هي بمجملها تدخل في إطار الحرص على النظام الطائفي، ونظام المحاصصة والحفاظ على مواقع أهل السلطة. بما في ذلك تلك التي تعتمد «رشة النسبية»، تحت تعبير «المختلط» والتي تعود من خلال طريقة توزيع الدوائر والعدد على أساس النسبية، لملاقاة قانون الستين، وتحويل ما هو نسبي إلى أكثرية مقنعة.
ولعل الأكثر تعبيراً، في استعمال النسبية لتأبيد النظام السياسي، الاقتراح المقدم تحت اسم «المشروع الأرثوذكسي» والذي يعتمد النسبية الكاملة على أساس المذاهب وفي ذلك تعميق للنظام الطائفي بتحويله إلى نظام «فدرالية سياسية»، قائمة على المحاصصة المذهبية.
الاستنتاج الطبيعي مما تقدم، هو أن قوى النظام أخذت خيارها السياسي لا التقني.
وأيضًا لا بد من التذكير، بأن خيار القوى اليسارية والديموقراطية منذ عشرات السنين والذي كرّسه مشروع الحركة الوطنية، كان خيار التغيير الديموقراطي. الخيار إذن هو خيار سياسي بالنضال بكل الأشكال من أجل تغيير هذا النظام.
ومن أجل هذا التغيير، المرتبط أساساً بمصالح الفئات الاجتماعية الفقيرة والمستغَلَّة، والمستهدِف لسلطة «الطغمة المالية» حينها، وضعت قوى اليسار آليات التغيير، من قانون الانتخاب، إلى الأحوال الشخصية إلى قانون الأحزاب.
وعلى المستوى الاقتصادي الاجتماعي، وضعت برنامجها الذي يستهدف التصدي لنهب البرجوازية وفساد نظامها وتبعيتها للرأسمال العالمي.
بالاختصار، قانون الانتخاب ليس هدفاً مستقلاً. هو أداة للتغيير الديموقراطي، تضاف إلى مجالات النضالات والأدوات الأخرى.
ومن المهم جداً أن يفهم بعض اليسار أن مشروع القانون الذي نتبناه، هو أداة التغيير التي اخترناها، وليس التغيير بحد ذاته…
ويجب أن يفهم أيضا، أن أولوية قوى النظام هي القيد الطائفي، أداة تجديد نظامها، قبل الدوائر وقبل آلية الانتخاب. ولذلك، من الممكن أن تبدي مرونة تجاه الدوائر وتجاه الآلية (النسبية) ولكنها إطلاقاً تتمسك بالقيد الطائفي.
لذلك، مشروع القوى اليسارية والديموقراطية غير قابل للمساومة ولو تحت شعار حشد أكبر عدد من القوى «مع النسبية»، بحيث تضيع أولوية إلغاء القيد الطائفي، وبالتالي نكون قد وقعنا في فخ البرجوازية، التي تستهدف أساساً تجديد نظامها الطائفي.
الخيار هو تغيير النظام الطائفي، وهذا المشروع متكامل مع إلغاء القيد الطائفي، واعتماد النسبية وجعل لبنان دائرة واحدة.
هذا الخيار، ليس خياراً تقنياً يعتمده خبراء الانتخابات؛ هو خيار سياسي بتغيير النظام وتعزيز الانتماء الوطني على حساب الانتماء الطائفي. وأية دعوة صريحة أو مبطنة للمساومة، بدأنا نسمعها اليوم، هي انتقاص من جوهر المشروع، بما هو مشروع وطني ديموقراطي للتغيير…
نحن لسنا جزءاً من المساومات الفوقية (برلمان ولجنة حوار) حتى نبادر للدخول في سوق نخاسة… نحن قوتنا في الحراك الشعبي، هذا الحراك الذي حدّد سقفه بما سبق من حراكات، أي تغيير النظام الطائفي، فلماذا يدعونا بعض «اليسار» لتشتيت هذا الحراك وضربه قبل أن تبادر السلطة إلى ذلك؟
(]) الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني