الأمر الطبيعي أن تكون ذكرى التحرير من الاحتلال الاسرائيلي مناسبة وطنية جامعة وفرصة للفرح والأمل بغد أفضل على كل المستويات في موازاة التضحيات التي قدمها اللبنانيون، وخصوصاً ابناء الجنوب والقرى الحدودية ولا يزالون، ولكنها في الواقع لم تكن كذلك، بل كانت منصة لتكريس انقسام في البلاد لم يسبق له مثيل، وفي ظل واقع لعل من أسوأ عناوينه استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية وإبقاء الاستحقاق الرئاسي في الأسر…
25 أيار، كان يجب ان يكون مميزاً. لقد كان كذلك هذه السنة، ولكن بالمعنى السلبي نتيجة المناخ السياسي المظلم الذي يلف البلاد. وكان يمكن ان يكون مميزاً بالمعنى الايجابي لو تم تحييده عن مستنقعات السياسة وزواريبها، الكبيرة منها والصغيرة، وكان يجب أن يبقى حصراً للاحتفال بذكرى التحرير المشرفة، دون زجّه في سجالات وصراعات وتصفية حسابات محلية تارة واقليمية تارة أخرى، يدفع ثمنها الوطن والمواطن في كل حين…
كان يمكن ان يكون يوم الخامس والعشرين من أيار “ليس كمثله يوم”، لو كان هناك رئيس جمهورية منتخب وقصر جمهوري غير مقفل بالسلاسل المتعددة المصدر، ومن مساوئ الصدف أن تعطيل الاستحقاق الرئاسي تم في التاريخ نفسه، اذ تزامن مع هذا اليوم المجيد انتخاب “آخر” رئيس قبل سبع سنوات… وكان يمكن أن يكون كذلك لو كان هناك مجلس نواب “طبيعي” غير ممدد لنفسه، ويقوم بواجباته ويجتمع دوريا ولا يعطل نواب فيه نصاب الجلسات بما فيها تلك المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية… وكان يمكن ان يكون كذلك لو كانت هناك حكومة ككل حكومات العالم بمن فيه ذلك المتخلف، تعمل كفريق عمل بعيداً من الصراعات السياسية، ولا تضم وزراء يعمل كل منهم وفق حسابات العشيرة و”المقاطعة” والاعتبارات المتعددة الاهداف، بل وزراء يعملون من أجل مصالح الناس، وهذا اضعف الايمان!
“ليست كمثله يوم” عبارة مستعارة من عنوان كتاب وقعه قبل مدة الزميل واصف عواضة، في اشارة الى يوم التحرير، وقد وصفه فعلاً بكل دقة وصدق، ولا سيما من موقع ابن الارض الذي عانى الأمرين من وحشية الاحتلال الاسرائيلي واعتداءاته، ولم يكن مبالغا على الاطلاق في توصيفه لهذا اليوم العظيم قبل 15 عاما. ولكن شتان ما بين ذلك اليوم التاريخي، وهذا الزمن الذي نعيشه، وهو زمن رديء، جعل الذكرى تمرّ، ليس كمرور الكرام، بل جاءت منغصة في ظروف صعبة حيث بلغ الانقسام الوطني ذروته، وسط معاناة ووجع وتراجع في كل القطاعات وارقام هجرة في صفوف الشباب وأهل الاختصاص والنخبة أقل ما يقال فيها إنها مخيفة ولا تبشر بالخير. وهكذا تبدو الدنيا في لبنان، ليست بألف خير على الاطلاق…
ولن يكون مستحيلاً أن يأتي 25 ايار المقبل والدنيا بألف خير، اذا قرر مصادرو أسباب الانفراج ان يكون كذلك. وفي الانتظار سيكون السؤال الطبيعي هذه الايام: الى اي مدى يمكن ان ينعكس السجال الاخير والتصعيد على الحوار اليتيم بين “حزب الله” و”تيار المستقبل”؟ لقد بدا القلق طبيعياً عند الحرصاء على استمرار هذا الحوار ولكنه سرعان ما يتبدد على الفور بقول مصدر قريب من “المستقبل” لـ”النهار”: “بكل تأكيد الحوار مستمر على الرغم من كل شيء ومن كل ما سمعناه في الايام الماضية”، وبتأكيده ان “الحوار لن يتوقف من جانبنا” ويرد على القائلين بعدم جدوى الحوار: “الحوار مفيد دائماً، ولولا الحوار القائم لكان التشنج السياسي في أكثر من مرحلة انتقل الى الشارع”.
ويؤكد أحد ممثلي “المستقبل” في الحوار مع “حزب الله” النائب سمير الجسر هذا الموقف اذ يقول بهدوئه المعهود: “مستمرون في الحوار ولا قرار من جهتنا بوقفه” أقله حتى الآن”.
ويضيف رداً على سؤال ان “التصعيد في الخطاب السياسي يكهرب الأجواء في الحوار بلا شك ويؤثر سلباً”، لافتاً الى ان “الحوار عادة لا يكون بين ابناء الصف الواحد بل بين مختلفين، ونحن دخلناه من باب اقتناعنا بأنه ضرورة وطنية لا تزال قائمة”.
ويقول: “بالتأكيد نحن بشر والتصعيد في الخطاب السياسي ينعكس سلباً على الحوار ولكن في النهاية لا بديل من الحوار سبيلاً الى الحلول، واذا كان الحوار على تواضعه قد ادى الى تهدئة الاجواء وتنفيس الاحتقان والحديث عن ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت، فهذا يُعدّ إنجازاً”.
وهذا الموقف لـ”المستقبل” ولا سيما لجهة تأكيد الاستمرار في الحوار، تصفه مصادر سياسية مستقلة بـ”العاقل” وهو بمثابة تحية على الطرف الآخر في الحوار ان يردّ بمثلها.