مع ان القيادة القطرية وجهت دعوات الى عدد من المسؤولين اللبنانيين لزيارتها، إلا ان زيارة الرئيس السابق للحزب “التقدمي الإشتراكي” كان لها حيثية خاصة وتفاصيل معينة، عكست تمايز جنبلاط عن غيره من القيادات التي قصدت العاصمة القطرية، لجهة الحفاوة واللقاءات التي عقدها مع رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. وأهمية الزيارة تكمن في ان جنبلاط يزور قطر للمرة الأولى منذ اتفاق الدوحة عام ٢٠٠٨ .
ما يجري على خط الدوحة – بيروت يأتي في مرحلة حافلة بالتعقيدات في المشهدين المحلي والخارجي من حرب غزة الى الملف الرئاسي، اذ يتشارك المسؤولون في الدوحة مع القيادات اللبنانية مشاعر القلق على الوضع الفلسطيني واطالة امد الحرب وانعكاساتها، والقلق ايضا على الشغور الرئاسي في لبنان وتعطيل وشلل الدولة .
لقاءات الدوحة مع جنبلاط وغيره من السياسيين، كما تقول مصادر سياسية، تتطرق حتما الى الملف الرئاسي لكن من دون الدخول في عملية الاسماء او طرح تسوية معينة، مع الإشارة الى ان الجانب القطري والحزب “الاشتراكي” يؤيدان ويدعمان اي تسوية يحصل عليها توافق وإجماع لبناني .
لقاء جنبلاط تناول ملف الجنوب، حيث اكد جنبلاط للقطريين على ضرورة الوصول الى حل يجمع بين تطبيق القرار ١٧٠١ واتفاق الهدنة، مؤكدا على ثقته بإدارة رئيس مجلس النواب نبيه بري مفاوضات الحدود الجنوبية مع الاميركيين.
زيارة جنبلاط الى قطر تأتي، كما تقول المصادر، في إطار جولات وتحركات يقوم بها في الخارج والداخل، حيث لم ينقطع جنبلاط عن ممارسة العمل السياسي، على الرغم من تسليمه الزعامة ورئاسة الحزب الى نجله النائب تيمور جنبلاط، وهذا ما يفسر الحركة الدولية باتجاه المختارة، التي تجمع بين العلاقة السياسية والشخصية لجنبلاط مع الوفود وممثلي الدول الكبرى.
في اجتماعاته مع القطريين، جدد جنبلاط تأكيده على الوحدة الوطنية والتضامن وحماية مؤسسات الدولة، وصولا الى تسوية انتخاب رئيس، لأن الحرب “الإسرائيلية” طويلة بتقاطع المعلومات والمعطيات.
في الداخل، حركة “اشتراكية” باتجاه كل القوى السياسية من دون استثناءات او “فيتوات”، من بنشعي الى الصيفي وصولا الى الاجتماعات مع نواب “الجمهورية القوية”، إضافة الى علاقة متمايزة مع حزب الله عكست ارتفاعا في حرارة العلاقة عن معدلاتها السابقة، وتحديدا بعد ان قرر جنبلاط ان ينتقل بمحض إرادته الى الموقع الوسطي والجامع بين الأفرقاء، فهو يبدو اليوم اكثر مرونة، و “صفّر” تقريبا مشاكله مع الجميع بمن فيهم من خاصمهم لفترة طويلة، بسبب المتغيرات ومجرى الاحداث التي أملت عليه تموضعا مختلفا عن الماضي . فحرب غزة معطوفة على ملفات خطرة لا تقل شأنا، فرضت ترتيبا جديدا لعلاقته بحزب الله، فالوقت الراهن ليس للخلافات والتجاذبات، ومن هذا المنطلق تجاوز الطرفان في المختارة وحارة حريك نزاعاتهما الماضية، لتعزيز الروابط السياسية والاجتماعية درءا لأي مخاطر على الوحدة الداخلية .
نشر جنيلاط قبل فترة على حسابه في منصة “أكس” صورة سقوط هيكل سليمان فوق الرؤوس من دون شرح وافر، التفسير العملي لما أراد إيصاله جنبلاط، بحسب مصادر مقربة منه، ان الهيكل اللبناني يتداعى وسيسقط على الجميع، وقد آن الأوان لتوافق وطني حول المسائل الخلافية، من الرئاسة الى جبهة الجنوب وملف النازحين، فـ “أنتينات” المختارة ترصد حجم المخاطر في حال توسعت دائرة الحرب وخرجت عن السيطرة، في حال نفذ “المجنون نتنياهو” تهديداته.
ولذلك يشدد جنبلاط وبحسب المصادر على التضامن الداخلي، ويحاول تأمين الغطاء الشعبي والسياسي لعمل المقاومة وعلى الأقل حماية ظهرها منعا لأي فتنة، من هنا تستمر الخطوط مفتوحة مع حزب الله للتعاون والتنسيق في ملفات ذات طابع سياسي وامني واجتماعي، ابرزها ملف النازحين السوريين الذي بات يشكل خطرا وجوديا، حيث اعد “الاشتراكي” ورقة عمل ناقشها مع القوى السياسية لتأمين التوافق حولها، تتضمن آليات عملية للتعاطي مع مسألة النزوح، كاجراء مسح دقيق لأعداد السوريين في لبنان بالتعاون والتنسيق بين الأجهزة الأمنية والـ unhcr والبلديات، وفرز او تصنيف السوريين بين مقيم ونازح سياسي او اقتصادي، وإعادة النازحين الى المناطق الآمنة بالتواصل بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية، والطلب من الإتحاد الأوروبي دعم النازحين ماليا في سوريا بدل لبنان، مقابل تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية لضبط الحدود ومراقبة تسلل النازحين الى لبنان.