أريد من قانون الانتخاب الجديد الذي يعتمد النظام النسبي تحقيقَ عدالة التمثيل الشعبي وشموليته لشتّى فئات الشعب اللبناني وأجياله في المجلس النيابي، وذلك انسجاماً وروحيةَ وثيقةِ الوفاق الوطني المعروفة بـ»إتفاق الطائف»، ولكن يتبيّن من خلال ما يرافق التحضير للانتخابات المقرّرة في 6 أيار المقبل، أنّ «الجَمَل بنِيّة والجمّال بنيّة».
يقول سياسيون متابعون للاستحقاق النيابي إنّ الإرادة المرتجاة من القانون الانتخابي الجديد بحيث يشكّل عنواناً للتغيير حسب ما رُوِّج له وجرى الرهان عليه ليكون رافعةً لنقلِ الحياة السياسية اللبنانية إلى لحظةٍ أكثر مواطَنَة وانتماءً وإيماناً بلبنان، هذه الإرادة وذلك الرهان قد سَقطا في وقتٍ لم تُجرَ الانتخابات بعد.
ويعزو هؤلاء السياسيون سببَ هذا السقوط أوّلاً إلى أنّ هذا القانون الانتخابي تبيّن أنه يشكّل رافعةً لمحادلَ كتلك التي كانت تشهدها الانتخابات وفقَ القوانين السابقة، ولكنّ المحادل الجديدة الآن هي بأشكال جديدة بعضُها قديم وبعضها متجدّد، لكنّها تلبس لبوس «النسبية»، وقد تكوَّنت من خلال طريقة تقسيم الدوائر الانتخابية في كلّ المحافظات والمناطق، ما جعلَ نتائج الانتخابات تكاد تكون معروفة مسبَقاً، وذلك من خلال اختراع «الصوت التفضيلي» و»الحاصل الانتخابي».
ولا يتوقف الأمر في القانون الانتخابي الجديد عند «المحادل الانتخابية» فقط، بل يتعدّاها الى محاصرة مجموعة من البيوتات السياسية ذات العلاقة الوثيقة بالبنية الاجتماعية للبلاد، وذلك تمهيداً لمحاولة الإجهاز عليها، وهو ما يحصل في بعض دوائر جبل لبنان وزحلة والشمال وغيره.
أمّا العنصر الثالث الذي يَحرف القانون الانتخابي النسبي عن مقاصده ومواضِعه، فيَكمن في التحالفات المصلحية التي تمثّل الفضيحة الكبرى، وقد تشكّلت منها محادل أيضاً من مِثل المحدلة الناجمة من التحالف بين ثنائي تيار «المستقبل» و»التيار الوطني الحر»، والبعض يتحدّث في هذا المجال أيضاً عن «ثنائية» الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل.
ويُضاف الى كلّ الخطاب المذهبي الذي نجَم من تحوّلِ القانون الانتخابي الجديد، في الممارسة ومِن خلال نسجِ التحالفات، قانوناً أرثوذكسياً مقنّعاً، وخيرُ إثبات على ذلك هو طبيعة الخطاب السياسي المستخدَم قبل تشكيل اللوائح الانتخابية وبعدها، إذ بدلاً من ان يكون هذا خطاباً برنامجياً سياسياً يُحاكي اولويات الناس، عاد ليكون خطاباً تحريضياً غرائزياً مذهبياً، وفي ذلك استعادة للخطاب السياسي الذي رافقَ الانتخابات خلال العامين 2005 و2009، والدليل أنّ تيار «المستقبل» عاد الى استخدام الحرب على «حزب الله» وسيلةً أولى للحشد والتعبئة الشعبية والانتخابية قبل إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع، وبالتالي فإنّ «المستقبل» ومعه كلّ القوى السياسية سقطت في لعبة «الأنا» الضيّقة، ويبدو أنّ «الصوت التفضيلي» سيكون محفّزاً على مزيد من «الأنا» في لعبة التنافس داخل كلّ لائحة انتخابية، الى درجة أنّ الرئيس إميل لحّود ما بَرح منذ أشهر يتحدّث عن الفتنة التي سيذهب إليها البلد في لحظةٍ ما بعد اعلان نتائج الانتخابات عندما يأتي حصاد هذا الخطاب المتطرّف لسَوقِ الناس كالغنم إلى صناديق الاقتراع، خصوصاً أنّ التشتّت في المجتمع المدني قد يكون عاجزاً عن إحداث الفارق النوعي المطلوب لدغدغةِ آمال الناس في وطنٍ حقيقي ينتمون إليه.
على أنّ المتابعين يؤكّدون في سياق ملاحقتهم لمجريات الاستحقاق النيابي أنّ تكبير «الحواصل الانتخابية في بعض الدوائر هو الذي ولّد «المحادل الجديدة»، ما قطعَ الطريق أمام حصول منافسةٍ انتخابية متكافئة بين الجميع يُمكن أن تزرع بذورَ تغيير جدّي في الجسم النيابي يتميّز بتوازن في التمثيل النيابي هو الذي يشكّل الغاية الأساسية من النظام النسبي.
ويتبدّى من خلال كلّ ما يجري أنّ الانتخابات تكاد أن تكون في إحدى صورها «بروفة» للانتخابات الرئاسية الآتية مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، والعين في هذا المجال هي على الأقضية المسيحية الأربعة في الشمال (البترون، زغرتا، بشرّي، الكورة)، حيث يتنافس المرشّحون الرئاسيون على مقاعد نيابية تشكّل بالنسبة إلى كلّ من يفوز «رافعةً رئاسية» استعداداً للاستحقاق الرئاسي المقبل.