ماذا لو حدث أن خلت سدّة الرئاسة بانتهاء مدّة ولاية رئيس الجمهورية دون أن يتمكّن المجلس النيابي من انتخاب الخلف، ولم يتمكّن الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي من تشكيل حكومة جديدة، وبقيت حكومته المستقيلة مكلّفة بتصريف الأعمال، هل يحقّ لهذه الحكومة المستقيلة أن تتولّى صلاحيّات الرئاسة الأولى بالوكالة إلى أن يتمكّن المجلس من اختيار رئيس جديد؟
موقف الاجتهاد والفقه في معظم دول العالم مستقر، على أنه استناداً إلى نظرية الظروف الاستثنائية التي تفرض استمرار المؤسسات الدستورية، وعملاً بمبدأ الاستمرارية وتحاشياً للوقوع في الفراغ الدستوري أو فراغ الحكم، وحرصاً على سلامة الدولة وسلامة المؤسسات والإدارات العامة، يمكن لحكومة مستقيلة أن تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الشغور.
ويمكن القول بأن الأساس القانوني للسلطات الاستثنائية هو الظروف الاستثنائية، لأن الالتزام بمبدأ المشروعية العادية أثناء الظروف الاستثنائية قد يؤدي إلى أضرار بالغة بالدولة. فعندما يعترض مبدأ المشروعية ظرف استثنائي تلجأ الحكومة لأن تخرج عليه حفاظاً على سلامة الدولة وكيانها، ومع ذلك يبقى هذا الاستثناء وما يترتب عليه من إجراءات مخالفة للقوانين صحيحاً كونه يحقق نفس الهدف المترتب على مبدأ المشروعية. أي أن نظرية الظروف الاستثنائية تعطي الهيئات الحاكمة سلطات واسعة في وقت الأزمة، فالظروف الاستثنائية ما هي برأينا إلا خروج عن المبادئ العامة وإستثناء من مبدأ السمو والتضحية بمصالح الأفراد بغرض حماية الدولة ورعاية مصالحها.
عموماً إنّ الفقه القانوني يدافع عن نظرية الظروف الاستثنائية ويعدّها توسعاً لمبدأ المشروعية، والأفكار التي بنيت عليها هذه النظرية كثيرة وأهمّها فكرة السيادة وفكرة الاستعجال. ففكرة السيادة تعني أنّ سيادة الدولة تعني سلطانها في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية وذلك من خلال إدارتها لمرافقها وخضوع كل من يقيم على أرضها لأنظمتها، ومحافظتها على الأمن العام وحماية الأرواح والأموال. فإذا ما وجد خطر يهدّد هذه السيادة كان لها الحق في اتخاذ ما هو لازم لذلك. أما فكرة الاستعجال فتعني أن تتخذ الحكومة إجراءات سريعة دون تأخير. وإنّ الظروف الاستثنائية ظروف حالّة وسريعة لا بدّ أن تسير الحكومة بذات السرعة والاستعجال واتخاذ الإجراءات بالسرعة القصوى لدرء الخطر.
وشروط الظروف الاستثنائية التي تمكّن حكومة تصريف الأعمال من تولي صلاحيات الرئاسة بالوكالة كلّها متوفّرة في حالة الفراغ الرئاسي، وهي: قيام حالة تمثل خطراً جسيماً يهدّد المصلحة العامة، وتعذر اتباع الحكومة لقواعد المشروعية العادية، وأخيراً أن تهدف الإجراءات الاستثنائية إلى حماية المصلحة العامة.
وصحيح أنّ المادة 64 من الدستور تنص على أن «لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيل الثقة، ولا بعد استقالتها، أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال». إلا أنّه يجب عدم الخلط بين ممارسة مجلس الوزراء لصلاحيات رئيس الجمهورية وبين ممارسته لصلاحياته الدستورية، الذي يبقى كما هو، سواء أكان رئيس الجمهورية موجوداً أم كان منصبه شاغراً. على أن يصار إلى الالتزام بالحالة الأخيرة باجتهاد مجلس شورى الدولة المعتمد من 1 كانون الأول 1969 بالقرار الشهير رقم 613، الصادر عن غرفة الرئيس عبدو عويدات وعضوية المستشارين وليم نون وميشال عبود، لجهة تحديد نطاق تصريف الأعمال من خلال التفريق بين الأعمال العادية وبين الأعمال التصرّفية. ومن خلال التفريق بين الأعمال التصرفية العادية والاستثنائية. لأنه في هذا القرار المبدئي نجد خير تحديد وتصنيف للأعمال العادية، الداخلة في صلاحيات الوزارة المستقيلة، والتي تعني الأعمال اليومية التي يعود إلى الهيئات الإدارية اتمامها. كما نجد خير تصنيف للأعمال التصرّفية التي لا تقضي بها العجلة والمصلحة العامة، ولا يجوز من ثمّ لهذه الوزارة إجراؤها. أما الأعمال التصرّفية التي تفرضها ظروف استثثنائية تتعلّق بالنظام العام وأمن الدولة، وكذلك الأعمال التي يجب إجراؤها في مهل محدّدة في القوانين تحت السقوط والإبطال، فيمكن للوزارة المستقيلة اتخاذها في هذه الظروف.
وعن كيفية اتخاذ القرارات عند خلو سدّة الرئاسة، يجب الأخذ برأي رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لا يرى في خلوّ الرئاسة ما يبرّر شلّ عمل الحكومة وجعل قراراتها رهن مشيئة أي وزير فيها. وذلك حينما حاول رئيس المجلس النيابي إقناع رئيس الحكومة الأسبق تمام سلام، بوجوب اتباع صيغة أكثر مرونة لتسيير عمل الحكومة، تتلخّص في إصدار قرارات مجلس الوزراء بالنصف زائد واحد، أو بأكثرية الثلثين وفقاً لطبيعة الموضوع، كما كان يحصل خلال وجود رئيس الجمهورية. لاسيما أنّ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة كانت في ظل غياب رئيس الجمهورية، تصدر قرارتها بأكثرية ثلثي الحاضرين، ولم تعتمد صيغة الإجماع. على أن يؤخذ بعين الاعتبار أن الحكومة المستقيلة لا يمكنها ممارسة الصلاحيات اللصيقة برئيس الجمهورية كالعفو الخاص، ومراجعة المجلس الدستوري، ومخاطبة مجلس النواب عبر رسائل، وترؤس الحفلات الرسمية، ومنح الأوسمة، وغيرها.