بمعزلٍ عن وصول النائب ميشال عون الى رئاسة الجمهورية أو عدم وصوله في الجلسة النيابية المقرَّرة في 31 تشرين الأول الجاري أو في غيرها، فإنّ المسار السياسي الذي اعتمده «أصحاب القرار» في لبنان في تعاطيهم مع الإنتخابات الرئاسية على مدى نحو ثلاثين شهراً، بات يستدعي مواجهة من نوع آخر تختلف عن أساليب الشكوى والإعتراض والرفض غير المقرون بأيّ خطوة عملية من شأنها تصحيح الأمور.
وبمعزل عن الموقف من شخص عون ومن الطرق المستخدمة لإيصاله أو لعدم إيصاله الى رئاسة الجمهورية، فالواضح أنّ اللعبة السياسية في لبنان مصابة بتشوّهات بنيوية بات معها الترقيع وعمليات التجميل مصدر مزيد من التردّي والإهتراء اللذين يصعب معهما إحياء المؤسسات وبناء الوطن.
إنّ حلول «المصالح» مكان «المشاريع»، و«الصفقات» مكان «القيم والمبادئ» في التعاطي مع الإنتخابات الرئاسية، كما مع كلّ الإستحقاقات الوطنية، يعكس عمق الأزمة السياسية في لبنان، ذلك أنّه يكشف أنّ الفرقاء السياسيين والحزبيين هم في معظمهم أصحاب طموحات سلطوية وليسوا أصحاب مشاريع سياسية، بمعنى أنهم مستعدّون لفعل أيّ شيء وقول أيّ شيء والقبول بأيّ شيء، من أجل وصولهم الى المواقع الرئاسية والوزارية والنيابية والوظيفية التي يطمحون اليها بمعزل عن تاريخهم ومساراتهم ومواقفهم ووعودهم وتعهداتهم والتزاماتهم العلنية على مدى أشهر وسنوات.
من هنا، فقد باتت الحاجة ملحّة الى اصطفافات جديدة تُحيي المعنى الحقيقي للمعارضة في الرقابة والمتابعة والمحاسبة وطرح الخيارات البديلة، بعيداً من «النكايات السياسية» التي يعتمدها بعض مَن هم في السلطة لتوصيف أنفسهم بالمعارضين على الرغم من كونهم جزءاً من مؤسسات الحكم وآلية القرار… وبعيداً من سعي معظم أركان النادي السياسي في لبنان الى اختصار جناحَي الديموقراطية بأنفسهم من خلال تقمّص دور المعارضين على الرغم من وجودهم في الحكم لا لشيء إلّا لاحتكار اللعبة السياسية ومنع انضمام دم جديد وفكر جديد الى دورة الحياة السياسية في لبنان.
وانطلاقاً من هذه المقاربة، فإنّ بناء معارضة جدّية وواعدة بتغييرات جذرية للواقع اللبناني الراهن، بات يتطلب أسساً غير مجرد تسجيل موقف من وصول عون تحديداً الى رئاسة الجمهورية، لأنّ مثل هذا الوصول إذا تمّ سيكون وليد شراكة سياسية وحزبية واسعة ولكن متناقضة ومتضاربة في مصالحها، تتطلّب معارضتها معارضة لكلّ المساهمين في وصول عون باعتبارهم شركاء ليس فقط في القرار وإنما في اقتسام السلطة وتوزيعها على بعضهم البعض.
إنّ ما وصل اليه الوضع اللبناني اليوم يدلّ على أنّ «طبقة سياسية» متعدِّدة الألوان والإتجاهات تكاملت في أدائها السياسي، وتقاطعت في مصالحها على إجهاض ثورة شعبية نادت بالحرّية والسيادة والإستقلال وببناء دولة – مرجعية لجميع اللبنانيين، لا شريك لها في أيّ من مسؤولياتها وواجباتها من خارج الدستور والمؤسسات الشرعية.
ولذلك، فإنّ المعالجات يجب أن تنطلق بالعودة الى ما كانت عليه الأمور عشية هذه الثورة في العام 2004… من هنا تبرز الحاجة ملحّة الى الخطوات الآتية:
1 – بلورة معارضة سياسية وطنية جامعة أركانها السياسيون والحزبيون والإعلاميون الرافضون لمبدأ الآلية التحاصصية التي اعتُمدت لإيصال عون الى رئاسة الجمهورية، وليس لمضمون المحاصصة وموقعهم فيها.
2 – انتظام هذه المعارضة في إطار سياسي وطني جامع.
3 – بناء رأي عام محلّي يتكتل حول المعارضة الجديدة ويعيد الى اللبنانيين الثقة بقدرتهم على التعبير عن رأيهم والتغيير في الواقع المتردّي.
4 – بناء «لوبي» عربي ودولي داعم لحق اللبنانيين في اختيار ممثليهم بحرّية بعيداً من ضغط السلاح غير الشرعي تطبيقاً للقرار 1559 ولكلّ القرارات الدولية اللاحقة التي تضمن سيادة الدولة اللبنانية الكاملة وغير المنقوصة على أراضيها وقراراتها ونزع سلاح كلّ الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية والتطبيق الكامل غير المحرَّف للدستور اللبناني.
5 – الإستعداد لخوض الإنتخابات النيابية المقبلة بما من شأنه إسقاط التركيبة الجاري العمل على فرضها على اللبنانيين على غرار ما كان يتمّ التحضير له غداة التمديد عام 2004 قبل أقل من سنة على موعد الإنتخابات النيابية التي كانت مقرَّرة في ربيع العام 2005.
إنّ خريطة الطريق هذه تبدو ضرورية لإنقاذ الديموقراطية في لبنان وصولاً الى إنقاذ الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية، على أنّ وضعها موضع التنفيذ يحتاج الى الكثير من العمل والقليل من التنظير حول الظروف وموازين القوى لأنّ ما نحن فيه اليوم لم يكن اسوأ ممّا كنا عليه في العام 2004!
• عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»