IMLebanon

موفد ملكي إلى بيروت: صفحة جديدة في العلاقات السعودية ـ اللبنانية

بعد فترة فتور أعقبت حرب اليمن، تتجه العلاقات بين لبنان والسعودية نحو المزيد من التحسن. يستدل على ذلك من خلال الزيارة التي قام بها القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري إلى وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، بحسب مصدر ديبلوماسي.

يقول المصدر: «بعد عودة السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري الى بلاده مطلع العام الحالي، وعدم تعيين خلف له كما تجري العادة وتقتضي الاعراف الديبلوماسية، يبدو ان القيادة السعودية بصدد تغيير موقفها من لبنان وصولا الى إعادة الاهتمام بالملف اللبناني».

يأتي ذلك في مسار معاكس للقرار السعودي السابق بوقف برنامج مساعدات المملكة للبنان على خلفية التغيير الذي حصل في القيادة السعودية (وفاة الملك عبدالله وانتقال العرش الى الملك سلمان)، ومن ثم تبدل التعامل السعودي مع معظم الملفات التي تجعل المملكة على تماس غير مباشر مع إيران، «وعلى هذا الأساس، قررت السعودية إدارة ظهرها للواقع اللبناني في تسليم واضح بالواقع الإيراني فيه» على حد تعبير المصدر نفسه.

يكشف المصدر أنه كان يلاحظ في تلك المرحلة شيئاً من المرارة عندما يتحدث أي مسؤول رسمي سعودي عن لبنان، اذ قال احد الامراء لشخصية لبنانية «يأتي اللبنانيون إلينا ويطلبون منا التدخل ولكن ماذا كانت النتيجة. دفعنا الكثير من الأموال في لبنان ولم نحصد شيئاً، لذلك، نتمنى ان لا يطلب أحد منا شيئاً للبنان بعد الان».

في هذا السياق، جاء تجميد الهبة السعودية للجيش اللبناني بتأمين سلاح فرنسي بقيمة 3 مليارات دولار أميركي، دفع السعوديون منها حتى لحظة اتخاذ قرار التجميد نحو 700 مليون دولار، من دون ان تأتي الأسلحة الى لبنان (فقط بضعة صواريخ)، بل تبين أن الصفقة لا تزال قائمة وأن المعامل الفرنسية تصنّع طلبيات الاسلحة بحسب القوائم التي وضعت بين الجيشين الفرنسي واللبناني بعلم قيادة الأركان السعودية. كما جاء في السياق نفسه، قرار تجميد منحة المليار دولار التي قرر الملك الراحل عبدالله منحها للحكومة اللبنانية عن طريق سعد الحريري الذي حضر شخصيا الى بيروت وأعلن عن الهبة من السرايا الكبيرة بحضور الرئيس تمام سلام في النصف الأول من شهر آب 2014.

وبحسب الديبلوماسي نفسه، فإن «السلطات السعودية تنتظر الفرصة المناسبة للاعلان عن اعادة تفعيل هبة الثلاثة مليارات دولار، وقد لاحت تباشير هذه الفرصة بعد التسوية التي ادت الى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وتكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة».

يروي الديبلوماسي «أن نموذج اللامبالاة السعودية بالوضع اللبناني، تم التعبير عنه من خلال التعامل ببرودة مع ترشيح الحريري الوزير سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية قبل سنة ونيف، وحين فشلت المبادرة لم تقدم المملكة شيئا لمساعدته، ولم تعتبر نفسها قد خسرت بسقوط مبادرة الحريري».

ويضيف: «عندما عاد الحريري إلى الرياض، بعد سنة، مقترحا تبنّي ترشيح عون أجابه المسؤولون في المملكة: أهل مكة أدرى بشعابها. إذهب الى لبنان وافعل ما تراه مناسبا لبلدك، لكن لا تطلب منا أية مساعدة وعليك أن تتحمّل نتائج قراراتك وحدك».

كانت حسابات السعوديين أن هذه المحاولة ستكون مثل سابقتها، ولذلك، قرروا ألا يتورطوا كثيرا، لكنهم اعتمدوا مقاربة مفادها الآتي: إذا نجح الحريري نستثمر الفرصة وإذا أخفق يتحمل المسؤولية وحده. وعندما رأى السعوديون أن التسوية باتت تقترب من النهاية السعيدة، وأن الأميركيين داعمون لها، أبلغوا الحريري اعجابهم بجرأته وقدرته على المناورة وطرح المبادرات، وأن مصلحتهم تكمن في عدم ترك الساحة اللبنانية للنفوذ الإيراني».

يضيف المصدر الديبلوماسي أنه عند هذا الحد، قررت المملكة إعادة النظر في سياسة الانكفاء عن لبنان التي كانت قد اعتمدتها لمدة سنة ونصف السنة، فأرسلت على عجل وزير شؤون الخليج إلى لبنان ثامر السبهان الى بيروت لتسهيل مهمة الحريري ومباركة التسوية الرئاسية ـ الحكومية، «وقد ساهم الوزير السعودي في لملمة الوضع السني لمصلحة الحريري، متمنياً على الرئيس نجيب ميقاتي السير بالتسوية (سار بالجزء المتعلق بالحريري وأصرَّ على معارضة عون)، وناصحاً الوزير أشرف ريفي بعدم معارضتها بشكل استفزازي على الاقل في المرحلة الاولى، والتوقف عن مهاجمة سعد الحريري».

يلفت المصدر الانتباه إلى أنه «بهذه الطريقة أصبحت السعودية شريكة في التسوية التي أنجزت، ولكنها أبلغت الحلفاء والأصدقاء اللبنانيين أنها ليست بصدد اعطاء الأموال كما كانت تفعل في السابق، وأن جل ما تستطيع فعله هو إعادة تحريك الهبة للجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات لكن بشروط ترتبط الى حد كبير بالسؤال حول من سيكون وزيرا للداخلية ومن سيكون وزيرا للدفاع ومن سيكون قائدا للجيش في المرحلة المقبلة»؟

بناء على ما تقدم، أبلغ القائم بالأعمال السعودي في بيروت وزير الخارجية أن القيادة السعودية قررت إرسال موفد رسمي إلى لبنان لتهنئة عون وتسليمه دعوة رسمية لزيارة السعودية، على حد تعبير المصدر الذي لم يستبعد احتمال وصول الموفد السعودي (على الأرجح ثامر السبهان) في الساعات المقبلة.

بحسب المصدر الديبلوماسي نفسه، يبدو ان صفحة جديدة من العلاقات اللبنانية ـ السعودية ستفتح، وقد يسرّع انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، خطوات السعودية في هذا الاتجاه قبل استلام الإدارة الاميركية الجديدة مهامها مطلع كانون الثاني المقبل.