IMLebanon

بوتين يَحمل مقترحاً روسياً إلى السعودية حول الدور العربي في سوريا مقابل الإعتراف بالنظام

 

العين الأوروبية على انفلات «داعش»… واستخدام هذه الورقة من قبل الأطراف  المتصارعة قد يُعيد خلط الأوراق

 

قد يكون من المبكر رسم خريطة التحوّلات التي ستصيب سوريا على وقع العملية التركية شرق الفرات. اللاعبان الدوليان الأساسيان في سوريا هما الاميركيون والروس. والطرفان يُغطيان العملية، كل لحساباته. وما سيحدِّد آفاق المرحلة المقبلة هو المدى الجغرافي الذي سيصل إليه الرئيس التركي الذي على أساسه أدخل جيشه مدعوماً بفصائل سورية منضوية تحت اسم «الجيش الوطني» إلى شمال شرق سوريا. التوافقات الضمنية تطال الحيز الجغرافي المسموح به. والكلام يدور حول عمق 30 إلى 35 كيلومتراً. هاجس رجب طيب أردوغان إبعاد الفصائل الكردية التي يعتبرها معادية عن حدوده. هي بالنسبة إليه مسألة تتعلق بحماية أمنه القومي، وبالتالي، فإنه سيذهب إلى الحدود التي تتطلبها العملية الجراحية.

 

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد سحب قواته بشكل كامل من سوريا، وهو على طريق تحقيق ذلك، قصر الزمن أو طال نسبياً، فالانتخابات الرئاسية على الأبواب. الخروج الأميركي الكلي من الشمال السوري من دون حل أنقره لمعضلتها مع الفصائل الكردية التي تدين بولائها لـ«حزب العمال الكردستاني»، المُصنّف إرهابياً لدى أنقرة، يُقلق الرئيس التركي الذي يُواجه عقدة الأكراد الأتراك، ويريد الفصل بينهم وبين أكراد سوريا.

 

تركيا تُسوّق هذه النظرية، وهي نظرية تلقى من يشتريها في ميدان اللاعبين الكبار. كثيرون ينظرون إلى التوغل التركي على أنه «فخ» وقع به صاحب حلم «إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية»، وقد يكون وقع بالفخ إذا خرج عن الاتفاق المرسوم. مقولة أردوغان أن هدفه يتمثل أولاً بإبعاد الفصائل الكردية عن حدوده. وثانياً، خلق منطقة آمنة يستطيع من خلالها إعادة نحو مليون سوري على الأقل إلى داخل سوريا وهؤلاء في غالبيتهم من أبناء المنطقة العرب، ومن شأنهم أن يشكلوا كتلة بشرية فاصلة بين الأتراك والأكراد في جزء من المناطق. وهو تالياً يتكئ على «الجيش الوطني» الذي يضم نحو 80 ألف مقاتل ويحظى – على ما يبدو – بقبول روسيا التي ستُلقى على كاهلها، في الغد القريب، مسؤولية ترتيب الأمور.

 

المعلومات تشير إلى أن أردوغان أُعطي فترة زمنية لا تتعدى ثلاثة أشهر من أجل إنجاز هذين الهدفين، ومن ثم يتم فتح الباب أمام سبل التسويات للواقع المرحلي وربما النهائي لشرق الفرات. المعلومات تكشف، في هذا الإطار، عن مشروع روسي سيحمله معه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المملكة العربية السعودية في زيارته المرتقبة قريباً.

 

ماهية المشروع الروسي هي في كيفية إشراك العرب بالحل في سوريا. مقترح بوتين أن يكون الشمال السوري محط نفوذ عربي ورعاية تسهم في إعادة إعمار هذه المنطقة الحيوية وعودة اللاجئين إليها، وتؤمن بذلك تواجداً للمنظومة العربية في سوريا بما يؤول إلى خلق قدر معين من التوازن السياسي في البلاد. بالطبع ينطلق المشروع الروسي من مقابل لهذا التوازن يتمثل بالاعتراف بشرعية النظام السوري. موقف موسكو يرتكز على قناعة بأن إعادة ترميم النظام لا يمكن أن تتحقق من دون العرب ولا سيما دول الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية لتوفير مظلة سياسية لنجاح الحل ومظلة مالية لإعادة الإعمار.

 

ليست واضحة بعد حظوظ هكذا مشروع، وما إذا كان العرب يعتبرون أنها لحظة مناسبة لإعادة التوازن المفقود في سوريا، بما يدفعهم إلى اتخاذ قرار بالانخراط الفعلي. ما هو مطروح أن العملية التركية المحددة زمنياً سيعقبها انسحاب تركي إلى حدودها. فهل سيكون العرب هم من يملأون الفراغ تحت إشراف روسي؟ وهل يتم الحديث هنا عن جيش عربي هو ما دُرج على تسميته «ناتو عربي»، الموثوق أميركياً؟ وهل سيترافق الانسحاب التركي من شمال شرق سوريا مع انسحاب إيراني من الميادين والبوكمال ومن دير الزور على الحدود مع العراق؟! وماذا عن خطة تركيا المتعلقة بمناطق الأكراد في عين العرب المتاخمة للحدود التركية، والسيطرة على نقطة الحدود السورية – التركية – العراقية؟

 

في الحسابات الروسية التي يُفترض أن تكون مستندة على توافقات مع الأتراك أن «الجيش الوطني» سيشكل القوات الميدانية في عملية «تحرير» إدلب من التنظيمات المسلحة المتطرفة، وليس جيش النظام السوري، وبالتالي سيكون له تأثير في الحل السياسي، وسيشكل بعديده جزءاً من جيش الشرعية في المستقبل.

 

السؤال الذي يطرح نفسه هو عما إذا كان المشروع أو السيناريو الروسي قابلاً للحياة، وما إذا كان وليد تفاهم ضمني مع أميركا أو يحظى بموافقة ضمنية أميركية، وما إذا كان يُشكل الخطوة المطلوبة التي تذلل العقبات من أمام انطلاق الحل السياسي في سوريا بما يرفع الأعباء عن روسيا. فتأليف اللجنة الدستورية يُعتبر إنجازاً على رغم ما تضمنته من ثغراتها، لكنها إنجاز غير قابل للصرف إذا لم تتم مواءمته مع خطوات أخرى توفر نوعاً من الضمانات للمكونات السورية في الحل المنشود.

 

والمسألة الأهم التي تحتاج إلى إجابات أيضاً تكمن في ما إذا كان المقترح الروسي بشأن سوريا يأتي في سياق منفصل عن الملفات الساخنة في المنطقة أم أنه جزء من التسويات لهذه الملفات. ما يراه المراقبون أن العملية التركية بما هو مرسوم لحدودها لن تكون لها انعكاسات كبيرة على الساحات الأخرى الساخنة. المتوقع أن تتم مقايضة شرق الفرات بإدلب، وأن يفضي التدخل التركي إلى طرح دخول قوات عربية ربما بقرار دولي، وأن يصبح طرح خروج تركيا من الشمال السوري موازياً لمطلب خروج إيران أيضاً من أجزاء محددة من الأراضي السورية. تبقى الصورة غير واضحة لجهة التحوّلات الآنية التي قد تحصل.