في انتظار أن تُعلن أيّ جهة مسؤوليتها عن مسلسل التفجيرات الإنتحارية في بلدة القاع، فهي تبدو في شكلها ومضمونها ونتائجها كالمنشار تأكل من مصداقية كل الجهات السورية الموالية والمعارضة والمراجع اللبنانية في أكثر من سيناريو يمكن الحديث عنه حتى ظهور الرواية المنطقية التي تضع الأمور في نصابها. وعليه، ما هي السيناريوهات المحتملة؟
يأسف مرجع أمني «ألّا تنجح القوى الأمنية وأهالي القاع في توقيف أيّ من الإنتحاريين حيّاً ليسمح من خلال التحقيق معه باستكشاف المخطط الذي كانت المجموعة تنفّذه من ألفه الى يائه، وإجراء المقارنة الضرورية مع مجموعة ملفات جُمعت من تحقيقات خضع لها أفراد من خلايا أوقفت وفُكّكت سابقاً، بعدما كشفت الكثير ممّا كانت تخطط له والجهات الكامنة وراءها».
وعلى هذه الخلفيات، ما زال المجال مفتوحاً أمام سلسلة سيناريوهات لا نهاية لها ولكلّ منها ما يسندها من وقائع قابلة للتفسيرات المتعددة، الى حين اعتبار أنّ ما حدث يشكل منشاراً يأكل من مصداقية التحقيقات والمواقف التي أطلقتها مراجع أمنية وسياسية متعددة على تناقضها، فباتت لكل رواية او موقف نتائج معروفة سلفاً.
ومن هذه الروايات التي تضاربت في شكلها ومضمونها أنّ المجموعة الانتحارية دخلت من الأراضي السورية مباشرة من دون العبور بالمخيمات العشوائية المنصوبة في سهل القاع ومشاريعها وفي المناطق المجاورة. في مقابل أخرى تقول إنّ الإنتحاريّين هم من الـ«بلديّين» يعرفون زواريب القاع ومنافذها المتعددة وحدائقها بشكل دقيق، بدليل أنّ الحديث عن العثور على مخبأ للأعتدة العسكرية والمتفجرات وأدوات التفجير كاملة لم يلق الضوء على هذا الإنجاز بما فيه الكفاية.
وأمام أصحاب السيناريو الأول نيّة غير مخفية تقول إنه ليس للمخيمات السورية في محيط القاع اي دخل في العمليات الإنتحارية، وهو ما يُعفي جزءاً من اللبنانيين من مسؤولية ما حصل ويُلقي اللوم على الداخل السوري تهرّباً من عدم القدرة على الإمساك بأمن المخيمات في المنطقة التي عاثَ النازحون فيها فساداً في أرض القاع ومشاريعها ومصالح الناس، وقاد بعض روّادها مجموعات امتهَنت الخطف والسرقة لقاء مبالغ مالية. وربما قصد أصحاب هذه النظرية تجنيب النازحين ردّات فعل أهالي القاع والقرى المحيطة في لحظة غضب.
أما أصحاب السيناريو الثاني فأمامهم وقائع كثيرة تدعم وجهة نظرهم، ولا سيما ما رافقَ جولة التفجيرات الليلية من مظاهر معرفة المهاجمين بزواريب البلدة وأحيائها. ففاجأوا المواطنين في ساحة الكنيسة في لحظات غدر على رغم حجم الترتيبات الأمنية والعسكرية المتخذة في محيط البلدة وإقفال الطرق والمعابر اليها.
وما بين اصحاب السيناريوهين اللذين انقسمت المواقف بشأنهما على الصعيد الأمني والعسكري والسياسي والحكومي، ثمّة سيناريو آخر يتحدّث عن استغلال المخططين للعملية الذكرى الثامنة والثلاثين لمجزرة القاع للإيقاع بالآمنين من سكانها المسيحيين.
وهو ما ينمّ عن معرفة المُخطِّط بمحطات تاريخية كثيرة مأسوية شهدتها المنطقة وسَعيه الى تعزيز أجواء الفتنة بين صفوفهم والمحيط على اختلاف تنوّعه واستغلال قلقهم في تعميم المخاوف من إمكان توسّع «داعش» ونظيراتها في اتجاه القرى المسيحية، خصوصاً لتبرير الأمن غير الشرعي في المنطقة وتسجيل النقاط على القوى العسكرية والأمنية، وتبرير استمرار تَحكّم قوى الأمر الواقع غير الشرعية بأجزاء من الحدود اللبنانية – السورية.
علماً أنه لم يعد هناك وجود لهذه الحدود بين البلدين، بعدما ضاعت بفِعل سيطرة «حزب الله» على أجزاء واسعة من الأراضي السورية، فباتت متداخلة بالنسبة إليهم وكأنها بقعة واحدة.
والى هذه السيناريوهات المتعددة، ثمّة من يسخر من الدعوة الى التنسيق مع الحكومة السورية لمواجهة هذه المخططات. ويشير رداً على أصحاب هذه النظرية الى أن لا وجود لأيّ موقع او مركز سوري نظامي في الجرود التي باتت تحت سيطرة «حزب الله» على طول منطقة القلمون الشمالي.
وأنّ الحزب من موقعه اللبناني البَحت يقف الى جانب القوى الأمنية والعسكرية في معالجة الموقف. ولذلك فقد عدّت الدعوة في غير محلها ولأسباب سياسية مَحضة، من دون ان يستمع أحد الى أصحاب النظرية التي تقول باحتمال تورّط استخبارات النظام السوري وأصدقائه خصوصاً بعدما شهدت الحدود التركية والأردنية ومواقع أخرى عمليات مشابهة لا تصبّ في النتيجة إلّا في مصلحته؟!
وختاماً، ووفق سيناريو آخر مُحتمل، ترصد المراجع الأمنية والديبلوماسية التطورات التي تلي تفجيرات القاع لمعرفة حجم انعكاساتها على الساحة الداخلية والإستحقاق الرئاسي الذي ينتظر معجزة للخروج من مستنقعه العميق. وسط سؤال بديهي: هل ستكون المقدمة لمسلسل آخر من فوضى أمنية كَثر الحديث عنها لم تبدأ حلقاته ليشكّل في النهاية مدخلاً الى الانفراج بعد الانفجار؟