عام دراسي لا يُحسدون عليه، عاشه التلاميذ في التعليم الخاص نتيجة الزلزال الذي أحدثته عشوائيةُ إقرار سلسلة الرتب والرواتب من دون تأمين مصادر تمويل لها، فوُلد شرخٌ بين الأساتذة وإدارات المدارس والأهالي الذين صُعقوا بزيادات على الأقساط. في وقت، قطاع التعليم الرسمي لم يكن أفضلَ حالاً، بعدما اشتعل غضب نحو 15 ألف استاذ متعاقد لجؤوا إلى الاعتصامات طلباً لتثبيتهم. وامتدت موجة الإرتباك إلى الجامعة اللبنانية التي عمّتها الاضرابات. عبثاً تشكّلت لجنةُ الطوارئ بطلب من رئيس الجمهورية ميشال عون، ومن دون جدوى طالب وزير التربية مروان حماده بعقد جلسة حكومية تربوية إستثنائية تضع حداً للتطورات الدراماتيكية، إلّا أنّ الأزمات رُحّلت برمتها إلى السنة الدراسية الجارية.
«تِنذكر ما تنعاد»، عبارة تختصر واقعَ حال السنة الدراسية التي عبرت وسط أجواء متشنّجة لا تمتّ الى التربية بصلة، سواءٌ في التعليم الرسمي أو الخاص أو في التعليم العالي.
قنبلة الأقساط
شكّلت زيادة الاقساط عبئاً ثقيلاً على كاهل الأهالي الذين وجدوا أنفسهم بين خيارَين كلاهما مرّ، إما نقل أولادهم إلى المدارس الرسمية أو بيع ما يملكون لتسديد الزيادة التي فرضتها إدارات المدارس لمنح الأساتذة جزءاً من حقوقهم بفعل إقرار السلسلة. لذا تستمر المعركة بين الإدارات والمعلمين والأهالي من دون هوادة، وسط أجواء من التشكيك وانعدام الثقة إلى حدّ ملامسة الثأر، أهالي يُبدّلون مدارس أولادهم، إدارات تستغني عن معلميها، معلمون يرفعون دعاوى بحق إداراتهم. رغم ما شهده العام من اجتماعات ولقاءات وزيارات واتصالات، كلها أدّت إلى مجرد تبريد أجواء، فالخلاف لا يزال قائماً إذ إنّ العدد الأكبر من المدارس لم يلتزم في تسديد الدرجات الست الممنوحة، بفِعل السلسلة، إلى الأساتذة.
ولم يُشعل إقرار السلسلة فتيلَ أزمة الأقساط فقط، إنّما تداعياتها أشعلت المعاركَ على الجبهات كافة، من التشكيك في الموازنات السابقة للمدارس، الى الاختلاف حول منحِ الاساتذة الـ 6 درجات، إلى كيفية احتسابِ المستحقّات للمتقاعدين، وصولاً إلى تقاذفِ المسؤوليات في تحديد الجهة المولجة بتكبّدِ تكاليف السلسلة. غالبية الحلول التي طُرحت لحلّ مسألة الدرجات الست جُوبهت بالرفض، منها مبدأ التقسيط على 3 سنوات ضمن جدولة زمنية طرحه حمادة، إلّا أنّ نقابة المعلمين رفضته. وما أن طرح إتحاد المؤسسات التربوية الخاصة حلّاً بأن تتحمّل الدولة كلفة تمويل ما شرّعته حتى أعلن أساتذة التعليم الرسمي رفضهم أن تموِّل الدولة زملاءَهم في الخاص.
على مدار السنة، تكثفت الاجتماعات وتواصلت اللقاءات من بكركي إلى وزارة التربية فمكتب الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، والنتيجة «فالج لا تعالج»، وضعٌ مذرٍ بلغَه العام الدراسي وسط غموض وتعقيدات ووعود لتخدير الأجواء. وحيال تمنّع بعض الإدارات منح الأساتذة ولو جزءاً من حقوقهم، لجأت نقابة المعلمين إلى القضاء ورفعت دعاوى لمصلحة المتضرّرين من الأساتذة لعدم تطبيق القانون 46.
إنتفاضةُ التثبيت
فيما يتواصل شدّ الحبال في التعليم الخاص، إمتدت عدوى الأزمات إلى التعليم الرسمي مع تفجّر قضية الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي والثانوي، بعدما حُرموا منذ أكثر من 12 سنة من الطبابة، ومن بدل نقل وأجر شهري، بالإضافة إلى «تشليحهم» ساعاتهم وعقودهم. لذا تحوّلت وزارة التربية مراراً إلى حائطِ مبكى بعدما شهدت إعتصامات متكررة في محيطها وقطع الطرق من قبل المتعاقدين الذين بُحّت حناجرُهم وهم يطالبون بتثبيتهم.
بالتزامن مع انهماك المتعاقدين في البحث عن سبل تأمين ساعات تدريس لهم تقيهم فسخ عقودهم، شهدت المدارس الرسمية إقبالاً استثنائياً نتيجة انتقال التلاميذ من المدارس الخاصة إليها هرباً من لهيب الأقساط. فاستبشر المتعاقدون خيراً وعلّقوا آمالهم على إمكانية تشعيب الصفوف وضمان ساعات لهم، إلّا أنّ حسابات حقل المتعاقدين إختلفت عن بيدر وزارة التربية رغم موافقة حمادة المتكررة، وقضية التشعيب ظلت عالقة بين طوابق الوزارة، فيما المتعاقدون يواصلون الدعوة إلى الاعتصام والتحرك لرفع الغبن عنهم مع انطلاق السنة الدراسية الجارية.
الجامعة اللبنانية
وعلى مستوى التعليم العالي، أطفأت الجامعة اللبنانية شمعتها الـ67، على وقع إضراب أساتذتها لنحو 3 أسابيع، جراء وصولهم مع السلطة إلى حائط مسدود رغم الوعود التي قُطعت لهم. وبعدما تمّ استثناؤهم من أحكام قانون سلسلة الرتب والرواتب ومفاعليه، دعت رابطة الأساتذة المتفرغين إلى عدم التدريسِ في 16 كلّية وثلاثة معاهد للدكتوراه في المجالات العلمية والصحية والطبّية والقانونية والأدبية والإنسانية، فلازم أكثر من 74 ألف طالب منازلهم. وعلى أثر الوعود التي تلقوها، عاود الأساتذة التدريس، وبقيت آمالهم معلّقة على ما يمكن أن ينجزَه المجلس النيابي في الدقائق الأخيرة من عمره بعيد الانتخابات النيابية. إلّا أنّ الوعود بقيت حبراً على ورق بعدما كانوا قد استنفدوا كلّ ما توافرَ لديهم من وسائل ضغط على السلطة لنيلِ حقوقهم وأبرزها منحهم 3 درجات استثنائية.
بدورهم نفذّ الأساتذة المتعاقدون في «اللبنانية» أكثر من إعتصام تحذيري للمطالبة بحقّهم في التفرّغ، بعدما أُجهض ملفُّ تفرّغ 580 أستاذاً على طاولة اجتماع مجلس الجامعة.
تزويرُ شهادات
وكأنّ السنة الدراسية لا يكفيها ما ضربها من أعاصير، فحتى الجامعات الخاصة لم تكن بمنأى منها، إذ هزّت أوساطَها قضية بيع شهادات جامعية مزوّرة. لذا واصل مجلس التعليم العالي إجتماعاته واتخذ إجراءاتٍ بحق عدد من الجامعات ومؤسسات التعليم العالي المخالفة للقوانين، وذلك بعدما برزت فضيحة بيع جامعتين لبنانيتين خاصتين شهادات الإجازة الجامعية لمجموعة من العسكريين في المؤسسة العسكرية بهدف استخدامها وحصولهم على ترقية في امتحانات الرتباء، فتمّ توقيف عدد من المتورطين.
وسط الأزمات التربوية المتشعبة والمتداخلة، والتململ الذي يعمّ صفوف مكونات الأسرة التربوية برمتها، من رأس الهرم حتى القاعدة، من أصحاب إدارات وأساتذة وأهالي وطلاب، هل يكفي الرهان على ولادة حكومة جديدة لتحسين الواقع المذري الذي بلغه القطاع التربوي؟