٣ أزمات حادّة تواجه البلاد خلال ٧٢ ساعة
بقاء الحكومة وأزمة النزوح والحوار المفقود
كانت الساعة تشير الى الواحدة والربع من ظهر السبت الواقع فيه الرابع من تشرين الأول من العام ٢٠١٧.
دخل النائب ايلي ماروني الى مكتب سكرتيره وسأله عما اذا كان الخبر صحيحا كما أذيع. سأله السكرتير: أي خبر تقصدون؟ فردّ بأن الرئيس سعد الحريري قد قدّم استقالته من رئاسة الحكومة، وهو في السعودية الآن.
بعد مدّة ظهر الرئيس سعد الحريري على الشاشة الصغيرة، وأعلن الخبر بنفسه… وأضاف عليه ان حزب الله يتربّص به، وانه يريد تصفيته كما فعل عندما قامت عناصر محسوبة علىه بتصفية والده.
وتساءل النائب ايلي ماروني، وهو بالكاد وصل منذ فترة قصيرة الى عرينه السياسي في مدينة زحلة، هل عادت البلاد أكثر من عشر سنوات الى الوراء، وهل يعود لبنان الى الاغتيالات السياسية.
وأردف: انه من حزب، خسر شخصيا شقيقا بالاغتيال، كما ان حزب الكتائب اللبنانية، قدّم العشرات من الشهداء على مذبح الوطن. واستدرك قبل ساعات سمعنا ان المرشد الأعلى للثورة الايرانية أوفد مستشاره الوزير السابق علي أكبر ولايتي الى لبنان، وقابل الوزير ولايتي الرئيس سعد الحريري في السراي الكبير، واجتمع الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القصر الجمهوري، وقام بزيارة الى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والى سواه من القادة والسياسيين.
وتساءل مجددا: لبنان الى أين، هل دخلنا في العام الثاني لولاية رئيس الجمهورية، لنستقبل أعواما مليئة بالمنعطفات السياسية الضيّقة، في مرحلة تبدو فيها الأوضاع معقدة، وتبرز أمامنا الأهداف السياسة أيضا معقدة.
فوجئ النائب ايلي ماروني، بدخول صديق اليه، وراح يردّد بأن الحكم في لبنان يتبدّل، وان السياسة فيه تتغيّر، في حين ان المطلوب أن يعيش هذا البلد تحت مظلّة اقليمية معطوفة على تطورات محلية. لكن التفاصيل الصغيرة تذهب بالآمال الكبيرة…
في الأيام الغابرة كان الرؤساء ميشال عون، ونبيه بري وسعد الحريري يقفون في مواقعهم الرئاسية، إلاّ أن لكل منهم مملكته وأحلامه وتطلعاته، إلاّ أن السياسيين لهم أيضا أطماعهم والأفكار.
وتابع السياسي: انقضى عام واحد على انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، وفي كل يوم نسمع أحلاما وأفكارا، عن أسلوب جديد في الحكم.
والعماد عون يواجه الآن أزمة النزوح السوري الى لبنان، مثلما واجه الرئيس فؤاد شهاب كارثة الوجود الفلسطيني على أرضه. والرئيس نبيه بري يحكم البلاد والبرلمان، ومشكلة النظام البرلماني هي نفسها منذ ربع قرن. أما الرئيس سعد الحريري فانه واقع في كارثة لم يقع فيها الرؤساء عبدالله اليافي وصائب سلام وشفيق الوزان، لأن الوطن تغيّر وعصر التغيير يطرق بابه بإلحاح لكنه واقعي أكثر من سواه، والواقعية السياسية تلازمه في أعماله اليومية.
راح ميشال عون يناضل من أجل لبنان لم يعرفه سواه. في العام ١٩٨٨ هبط عليه الحكم، مع نهاية حكم الرئيس أمين الجميّل الذي خلف شقيقه بشير بعد ٢١ يوما على انتخابه. يومئذ بكاه أصدقاؤه ورفعوا شعاره الشهير: ٢١ يوما لو تعود، لكن بعد ٣٥ عاما، قال المجلس العدلي، ان حبيب الشرتوني الذي اغتاله في عقر داره في الأشرفية، لا يزال فارا من وجه العدالة بعد الأخبار عن وفاة مرشده حبيب العلَم.
إلاّ أن أمين الجميّل، كان يودّ تغيير نمط رؤساء الحكومات في بداية عهده، لكنه اضطر الى اعادة تكليف الرئيس شفيق الوزان برئاسة الحكومة الأولى في عهده، بعد نجاحه في آخر عصر الرئيس الياس سركيس، بعد معاناة صعبة مع رئيس وزرائه الدكتور سليم الحص، الذي ظلّ ولا يزال يعتبر نفسه شريكا وفيّا للرجل الذي اختاره، من موظف في عالم المصارف، الى رئيس حكومة في مؤتمر الرياض.
والرئيس العماد ميشال عون، الذي كان يرغب في تحديث السلطة، تمسك بتأليف حكومة من المجلس العسكري سقط نصفها في اليوم التالي، واضطر الى الانتقال الى السفارة الفرنسية في أيام السفير الفرنسي رنيه ألا وبعدها أصرّ الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران على انتقاله من السجن اللبناني الى المنفى الفرنسي في مارسيليا أولا، والى لا هوت ميزون، القريبة من باريس، وقال عبارته الشهيرة إن شرف فرنسا، من شرف المحافظة على العماد عون.
وفرنسا التي عرفت رجالا عظماء أبرزهم الجنرال شارل ديغول والرئيس فرنسوا ميتران، ظلّت وفيّة للبنان، ولا سيما في عصر الرئيس رفيق الحريري، والقرار ١٥٥٩، ولا تزال في أيام الرئيس ماكرون، تكنّ للرئيس سعد الحريري التقدير، كما لا تزال تكنّ للرئيس نبيه بري التقدير الكبير، وهو احتفل قبل أيام بمرور ربع قرن على رئاسته للبرلمان اللبناني. وبقاؤه في عين التينة وساحة النجمة، لا يعكس حسن الجوار مع الرئيس حسين الحسيني الذي اختار الرئيس أمين الجميّل التعاون معه، على رغم ان سلفه الرئيس كامل الأسعد، استطاع تأمين انتخاب رئيسين للجمهورية خلال أسبوع واحد من حزب الكتائب اللبنانية بشير وأمين الجميّل.
بعد سنوات مليئة بالمفاجآت، استطاع سعد الحريري خلافة والده، بعد اغتياله. وصعود الرئيس فؤاد السنيورة مكانه الى رئاسة الحكومة، ومن ثم وصول الرئيس نجيب ميقاتي الى السراي الحكومي بعد انقلاب مورس على الحريري وهو يستعد لدخول البيت الأبيض الأميركي، لكنه عاد الى السلطة قويا. إلاّ أن التيار الوطني الحر برئاسة الوزير جبران باسيل ووزراء القوات والدكتور جعجع يمرّون في أزمة حادّة، على أبواب الانتخابات النيابية المقبلة، خصوصا وان حزب القوات يريد تقاسم المقاعد النيابية مع التيار على الرغم من أن العماد عون يتصرّف منذ تأليفه الحكومة، على انه أب لكل اللبنانيين والوالد يحتضن الجميع لا فئة واحدة منهم، مع ان القوات والتيار يؤكدان أن الثنائي المسيحي ظاهرة سياسية يجب أن تبقى.
وأمام الفريقين تحديات كثيرة منها المقعد الماروني في جبيل حيث عزف النائب انطوان زهرا عن المعركة، ورشح الدكتور جعجع مرشحا آخر مكانه، وأصبح مصير تحالف الحزب صعبا مع مرشح آخر، لأن النائب بطرس حرب يتجه الى التحالف مع النائب سليمان فرنجيه، بعد جعل مناطق البترون والكورة وزغرتا وبشري دائرة واحدة، والتقارب بين القوات والمردة يمرّ في حالات دقيقة.
ويبدو ان المعركة ستكون حادة بين ثلاث أو أربع لوائح، خصوصا في منطقة الكورة، واحدة يقودها نائب رئيس مجلس النواب الحالي فريد مكاري، وثانية يرئسها الرئيس السابق لجمعية المصارف اللبنانية المهندس عبدالله الزاخم وثالثة بقيادة الدكتور جعجع الذي يرشح أساسا زوجته السيدة ستريدا جعجع في بشري والنائب فادي كرم في الكورة.
والمعركة في هذه الدائرة تتوقف على المشاركة بين المرشحين الأقوياء جبران باسيل، بطرس حرب، وفريد مكاري الذي تتردد أخبار عن احتمال عدم ترشحه، وتأييده للدكتور ميشال نجار نائب رئيس جامعة البلمند أو تأييده لحليفه القديم النائب السابق سليم سعاده.
إلاّ أن المعركة تبقى حامية في الدوائر الشمالية الأخرى، خصوصا في طرابلس والضنية وعكار، ويقال ان السيد سعد الحريري سيكون المرشح الأبرز بعد اشتداد المنافسة بينه وبين حليفه السابق أشرف ريفي الذي يسعى الى مدّ جسور مع حزب الكتائب اللبنانية، واقامة تحالف انتخابي مع الرئيس نجيب ميقاتي خصوصا وان النائب الدكتور سامر سعاده يخوض الانتخابات باسم الكتائب في طرابلس.
بيد ان المعركة في العاصمة الثانية، هي معركة حلفاء وأصدقاء حيث يبدو ان النائب محمد الصفدي هو أساسي في تركيب اللوائح، بعد النجاحات التي حققها سابقا مع حليفيه السابقين الوزير محمد كباره والنائب الراحل موريس فاضل.
والواضح الآن، ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيكون العنصر الأبرز في المعركة الانتخابية الشمالية، وان أخذ منذ مدة ينأى بنفسه عن المعارك الصغيرة، ويؤثر البقاء خارج المنازعات الصغيرة.
ومما لا شك فيه، ان المعارك الانتخابية في الجنوب والبقاع ستكون محسومة بعد اعلان الرئيس نبيه بري، ان مرشحي حركة أمل التي يرئسها ومرشحي حزب الله سيكونون على لائحة واحدة في معظم المناطق.
ولا أحد ينكر الدور الكبير المرتقب في دائرتي المتن وجبيل، حيث للتيار الوطني الحر حساباته القوية في المقعد الذي شغر بانتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية واحتمال ترشح صهره العميد المتقاعد شربل روكز في هذه الدائرة بالذات.
إلاّ العنصر الذي يثير اهتمام المراقبين هو ترشح النائب نعمة الله أبي نصر في جونيه واحتمال حدوث تغيير في أسماء معظم المرشحين الموارنة في كسروان، واستمرار الوجود الانتخابي المحسوم للنائبين ميشال المر وغسان مخيبر في المتن الشمالي.
هذا من دون نسيان دور النائب وليد جنبلاط في ترجيح كفّة المرشحين الدروز في الجبل، ولا سيما بعد ترجيح عزوفه لصالح نجله تيمور، والمرشحين الأساسيين دوري شمعون وسامي الجميّل وجورج عدوان وفادي الهبر وآغوب بقرادونيان عن الأرمن وآلان عون عن التيار.
إلاّ أن للساعات الأخيرة دورا كبيرا في اختيار الأسماء، لأن عنصر المفاجأة يلعب دوره في اللحظات الأخيرة الحاسمة.
المفاجأة الكبرى
وبعد سفر الرئيس سعد الحريري الى السعودية مرتين في آخر الأسبوع، وبعد اجتماعه في السراي الكبير مع الموفد الايراني علي أكبر ولايتي ، يطرح بوضوح ووفق التصريحات بأن الطلاق بين الدولتين الاسلاميتين، عموما وبين السنّة والشيعة، واقع أو مرجح، خصوصا على الدور العسكري ل حزب الله في معظم دول الخليج.
وهذا ما جعل سعد الحريري يقدّم استقالته من رئاسة الحكومة، إلاّ اذا عاد الى بيروت وتفاهم مع رئيس الجمهورية على استبعاد حزب الله من الدور الداخلي وسلّم الحزب برغبة جامحة في الخروج من لعبة المنطقة والرسو في لعبة لبنان، بعيدا من العراق واليمن والبحرين وهذه تترقب مدة ٤٨ ساعة للتفاهم على أحلام المنطقة.
ويقول مرجع أساسي ان المفاوضات القائمة بين دول الخليج، ولا تؤشر الى ترقب تسوية اقليمية، لأن الادارة الأميركية برئاسة الرئيس رونالد ترامب، أصبحت بعيدة عن هذه الأجواء، لأن الرغبة في تبريد الساحة اللبنانية أصبحت ضئيلة ولا توحي برغبة سعودية في التفاهم مع حزب يودّ تطرية الأمور لبنانيا، وتطبيعها اقليميا، قبل حلّ أزمة النزوح السوري واقتناع الرئيس بشار الأسد بالاستقالة خصوصا بعد تصحيح وضعه العسكري، ونشوء رغبة سورية في التقارب مع العناصر والقوى المعارضة للنظام السوري، خصوصا بعد همود العواصف في المنطقة العربية.
وهذه الأمور تتصاعد وتيرة الحياة فيها، بعد سفر الرئيس ترامب في جولة واسعة في آسيا والمناطق المجاورة، لأن هاجس جمهورية الاعتدال لم يعد قضية أساسية لدى الادارة الأميركية.
وهذا ما أعربت عنه الجمهورية الاسلامية الايرانية، عندما اتهمت طهران الأميركيين بالعمل على معاداة التفاهم مع دمشق عندما تصبح امكانات نظام الرئيس بشارة الأسد قوية، وتبرر ذلك بالتفاهم الذي أبدته دمشق، عندما فتحت ذراعيها لاستقبال الوزير الايراني السابق الموفد من المرشد الأعلى في ايران.
إلاّ أن مصير رحلة العماد عون للكويت، هو ما ينبغي انتظاره، لأن هذا القرار سلبا أو ايجابا هو طريق التوافق العربي، لأن جمهورية الاعتدال متوقفة عليه.
بيد ان تصريحات وزير الخارجية جبران باسيل، توحي باحتمالات التصعيد، ضد عودة الرئيس سعد الحريري الى التفاهم مع رئيس الجمهورية، والى استبعاد الوزراء المشاكسين عن اعادة رئيس الحكومة الى السلطة، على أبواب الانتخابات النيابية في الصيف المقبل.