IMLebanon

مخبأ سرِّي يُموِّن الإرهابيين… ومَن سيُدافع عن إنتحاري الحمرا؟

غصَّ جدول أعمال المحكمة العسكرية الدائمة بالدعاوى التي تخطّى عددها الـ90 والتي طالت إلى ما بعد السادسة والنصف من مساء أمس. تنوَّعت الارتكابات الجرمية وتشعَّبت معها الاتهامات، ولكن أبرزها، مثول الانتحاري عمر العاصي الذي حاوَل تفجير نفسِه في مقهى «كوستا» في الحمراء، للمرّة الأولى أمام هيئة المحكمة. كذلك التحقيق مع إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير في ملف «إضافي» وهو تشكيل خلايا نائمة في بحنين.

«الله لا يوفّقن، خرَبولنا بيوتنا يا سيدنا». بهذه العبارة حاوَل المتّهم حسين الفليطي إقناع هيئة المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد حسين عبدالله ومعاونة القاضية المدنية ليلى رعيدي وممثّل النيابة العامة العسكرية القاضي سامي صادر، بأنّه عن غير قصدٍ كان يُموّن بـ«البيك أب» الخاص به الخلايا الإرهابية في جرود عرسال خلال اقتتالهم مع الجيش اللبناني.

مخبأ سرّي

في التفاصيل، تبيَّن أنّ الفليطي كان يقود «بيك أب» مزوّد بمخبأ سرّي ينقل عبرَه المواد الغذائية، البطانيات، وغيرها إلى المنظمات الإرهابية، فيَركنه قرب مدينة الملاهي، قبل أن يأتي أحد المسلحين ويَنقله إلى الجرود. وفي ردِّه على عبدالله عن سبب مساندته للإرهابيين، أجاب: «لديّ 6 شقيقات وأخ، وأهلي طاعنون في السنّ، وقد هدَّدوني بعائلتي، وأنا متزوّج ولديّ 3 أولاد».

الفليطي ليس الوحيد في هذا المجال، إذ ينشَط على خطّ التهريب أيضاً المتّهم إبراهيم علي الحجيري عبر «بيك آب» مزوّد بمخبأ سرّي، بمعدّل 14 نقلة أسبوعياً. وقد عَمد من خلاله إلى نقلِ أسلحة، وذخائر حربية وعناصر إرهابية ومواد غذائية وأدوات كهربائية وفرَش للتنظيمات الإرهابية.

فسأله عبدالله: «من يكون أبو بلال؟» ردّ الحجيري: «رفيق لي سوري، لا أعلم إذا يعمل في الخفاء مع المجموعات الإرهابية». تابع عبدالله: «كنتَ تنقل العتاد والأسلحة من عرسال إلى وادي حميد حيث يتسلّمها منك وليد التركماني».

لم يُنكر الحجيري أنه وافقَ على تسلّمِ «البيك آب» الذي عرض عليه، وذلك بحثاً عن باب رزق يعتاش منه. كذلك بعد مدة تسلّمَ سيارة «رابيد» حمراء ينقل فيها أسلحةً إلى جرود عرسال، والتركماني يتسلّمها ثمّ ينقل الأسلحة إلى الجرود. وسأله عبدالله: «أنت تعرف أنّ السلاح سيُنقل إلى الإرهابيين، تؤمّن لهؤلاء مقوّمات البقاء والصمود في وجه الجيش اللبناني، وهذا تدخّل منك في الإرهاب».

قبل أن يبدي الحجيري ملامح الندم، حاوَل وكيل الدفاع عنه وعن الفليطي، المحامي محمد الفليطي، إقناع هيئة المحكمة، بأنّ الظروف المعيشية الصعبة، وضيق فرَص العمل تدفع بالأهالي إلى العمل في أيّ مجال يؤمّن لهم لقمة عيشهم.

الأسير

حملت جلسة الأسير الرقم 88 من بين الدعاوى، لكنّ نسيانه إحضارَ الدواء معه، قدَّم جلستَه إلى الثمانين. وعلى عكس مقاطعة وكلاء الدفاع عنه الجلسات في ملف أحداث عبرا، مَثُل محامياه محمد صبلوح وأنطوان نعمة، ما أوحى بأنّ شيئاً جديداً سيطرَأ.

فقد تقدَّم محاميا الأسير بطلب ردّ لهيئة المحكمة بكلّ دعاوى الأسير، أي أن تنظر هيئة أخرى في الملفات. فكان ردّ العميد: «بِتمنّى يا أساتذة أخْذ الملف من إيدي». وبعدها أرجأت الهيئة الجلسة لتغيُّبِ بعضِ وكلاء دفاع عن متّهمين في الملف عينه.

وفي هذا السياق قال صبلوح لـ«الجمهورية»: «قدّمنا طلب ردّ هيئة المحكمة برُمّتها، فقد جَمعنا المخالفات القانونية كلّها التي ارتكبَتها في جلسة عبرا، واعتبَرنا أنّ المحكمة لا تسير على مبدأ الحياد، بل تَظهر كأنّها طرف في الموضوع».

وأضاف: «مِن غير المنطق أن يُحاكم الأسير من هيئة عسكرية وهو متّهَم بالاقتتال مع الجيش، وكيف لمحامين عسكريين تولّي الدفاع عنه في ظلّ وجود محامين أصيلين في الملف»، مؤكّداً أن لا خصومة شخصية مع هيئة المحكمة: «نحترم أفرادها، ولكنّ الخطوات التي بادرَت إلى اتّخاذها مخالفة للقوانين، خصوصاً أنّها لم تُبادر إلى القبض أو استدعاء أيّ مسلح كان في قلب المعركة رغم الإخبار الذي تقدَّمنا به في ملف عبرا».

إنتحاري الحمرا

«عمر العاصي»، نادى عبدالله وعيونُه تغزل في القاعة بحثاً عن الزاوية التي سيطلُّ منها رأسُ العاصي، فيما عيون المحامين تقطر فضولاً سائلةً: «من تراه سيتجرّأ للدفاع عن انتحاري سبقَ أن اعترَف بفعلته في التحقيقات الأوّلية؟».

لحظات وإذ بعاصي يدخل وسط حراسةٍ أمنية مشدّدة من الباب الخاص بالمتّهمين عن يمين القفص، مرتدياً جينزاً أزرق، وسترةً رياضية كحلية. وقد بدا لافتاً غياب أيّ أثر لكدمةٍ أو خدشٍ في وجهه، بل بدا بصحّة جيّدة، ذقنُه سوداء عبيّة.

وقفَ هذا الشاب العشريني أمام القوس وهو يَشبك أصابع يديه. بعد تلاوة التهمة الموجّهة إليه، وهي «الانتماء إلى «داعش» وإلى جماعة الشيخ أحمد الأسير بقصد ارتكاب الجنايات، القتل والتخريب… وتنفيذ عملية انتحارية بواسطة حزام ناسف، لكنّ ظرفاً خارجاً عن إرادته حال دون إتمام العملية».

سأله عبدالله: «موكّل محامي؟». فجاوب وهو يتأمل أفراد الهيئة من الشمال إلى اليمين: «لا لِسّا ما وكّلت». فردّ عبدالله: «بدّك توَكّل؟ إمكاناتك بتِسمح؟ أو بكلّف نقابة المحامين؟». وقبل أن يُكمل سؤاله قاطعَه العاصي بشيء من الاستنكار: «ما بدّي محامي عسكري». فأوضَح عبدالله بأنّه سيُسطّر كتاباً إلى نقابة المحامين لتعيين محامٍ له.

وأرجَأت المحكمة جلسة الأسير والعاصي إلى 23/8/2017.