كان غياب وزير الطاقة اللبناني أرتور نازاريان لافتاً في مؤتمر الطاقة العربي العاشر الذي استضافته أبوظبي في بداية الأسبوع، وخصوصاً فيما لبنان يحتاج إلى خبرات الغير وتبادل الآراء حول شؤون الطاقة، والحكومة تستعد لإطلاق مراسيم للبدء بالتنقيب عن الغاز والنفط الذي نسمع به منذ ثلاث سنوات. فقد تمثل لبنان بالمدير العام للوزارة، في حين أن المشاركة في هذا المؤتمر الذي ترأسه وزير النفط الإماراتي سهيل مزروعي كانت بمستوى رفيع، ليس فقط من وزراء النفط في الدول العربية المصدرة للبترول، من السعودية إلى الكويت والعراق وقطر والجزائر، ولكن أيضاً من دول مثل الأردن والمغرب والسودان وموريتانيا ووزراء آخرين. وكانت مفيدة مشاركة الوزير اللبناني في المؤتمر. وفي المقابل، كان هناك وجه لبناني لامع هو الدكتور بسام فتوح مدير معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة الذي يرفع رأس أي عربي مشارك في المؤتمر. وقدم فتوح دراسة مفصلة عن تطورات أسواق النفط وما يجري فيها من انخفاض أسعار وأسبابه والظروف الاقتصادية العالمية التي تمت مناقشتها من قبل وزراء نفط السعودية وقطر ومديرة وكالة الطاقة الدولية ماريا فن ديرهوفن، وأمين عام «أوبك» عبد الله البدري، وذلك خلال جلسة ترأسها النعيمي في اليوم الأول من المؤتمر. فالنعيمي وديرهوفن أشادا بدراسة فتوح لعمق بحثه وأهميته. والدكتور فتوح هو في الحادية والأربعين من العمر، من عائلة لبنانية من قرية بعلول في البقاع الغربي. والده أحمد فتوح كان نائباً. ونشأ بسام في لبنان وتخرج من الجامعة الأميركية ثم سافر إلى بريطانيا حيث حصل على شهادة الماجستير ثم الدكتوراة في الاقتصاد من معهد الدراسات الشرقية والأفريقية التابع لجامعة لندن. ويفتخر فتوح بأنه اكتسب خبرته في عالم النفط من مؤسس معهد أوكسفورد للطاقة الأستاذ الكبير روبير مابرو، وهو أيضاً من أصل لبناني من طرابلس. وكان فتوح يحاوره باستمرار حول قضايا النفط عندما كانا معاً في أوكسفورد. وبعد تقاعد مابرو بقي رئيساً شرفياً للمعهد الذي أسسه، والذي يضم كبار موظفي قطاع النفط من عرب وأجانب. ويدير فتوح الآن المعهد في أوكسفورد فيما يدير منتدى أوكسفورد للطاقة نادر سلطان، وهو شخصية كويتية نفطية مرموقة، عمل طويلاً في قطاع النفط الكويتي ويحظى باحترام كبير في أوساط الصناعة النفطية العالمية، وسلطان وفتوح على تعاون مستمر في مجال دراسات الطاقة في معهد أوكسفورد.
بسام فتوح نموذج للنجاح اللبناني في الخارج، ومكَّنته كفاءته من الحصول على إشادة من أرفع مسؤولي قطاع الطاقة العالمي في السعودية ووكالة الطاقة الدولية. وحضوره ومشاركته إلى جانب كبار هذا القطاع تذكر أيضاً بأن غياب وزير النفط اللبناني كان مؤسفاً، علماً أنه قد تكون للوزير مبررات مقبولة لا نعرفها، وخصوصاً أن سلفه، ومن التيار السياسي نفسه، الوزير جبران باسيل كان حريصاً دائماً على المشاركة كما كان جدياً في التحضير لمؤتمرات كهذه.
ومهما كان سبب عدم مشاركة الوزير اللبناني في مؤتمر الطاقة العربي في أبوظبي، لا يسعنا إلا القول إن هناك وجوهاً لبنانية لامعة تبرز في الخارج وكثيراً ما تعوض عن النقص في الأداء الحكومي على الساحة العالمية. فأمثال بسام فتوح من اللبنانيين الشباب في لبنان وفي العالم كثر، ولكن لسوء حظ اللامعين في لبنان أنهم لا يبرزون إلا عندما يهاجرون. إن لبنان بحاجة إلى أمثال الدكتور فتوح، فهو نموذج للكوادر التي ينبغي أن تتسلم مسؤوليات كبرى في بلدها، إلا أن الأوضاع في لبنان لا تشجع عودة الكفاءات إليه لبناء مستقبل أفضل لأجيال الغد في البلد.