وازنت روسيا موقفها، منحت الصواريخ المتطوّرة لإيران، ومنحت «عاصفة الحزم» قراراً دَوليّاً بإمتناعها عن إستخدام حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن.
إستندت الى خلفيات منها، أولاً: إنسجام الرئيس فلاديمير بوتين مع مضمون الرسالة التي وجّهها الى القادة العرب في شرم الشيخ، والتي تؤكد إستعداد موسكو للإنفتاح، والتعاون، والتنسيق حيال ملفات ساخنة عدّة في الشرق الأوسط.
ثانياً: تلافي إزدواجيّة المواقف، إذ لا يمكن لروسيا أن ترفض إسقاط النظام في سوريا عن طريق القوة، وتقبل بإسقاطه في اليمن تحت قبضة الحراك الحوثي المسلّح.
ثالثاً: الحرص على مصالحها في وضع متقلّب. حجّتها أنّ المفاوضات ما بعد التوصل الى إطار إتفاق حول النووي، ليست كما قبلها. لن تقبل مجموعة (5+1) توقيع إتفاق مع إيران، من موقع «النّد للنّد»، ومن دون أقلمة أظافرها في الكثير من الدول العربيّة، ولا بدّ من أن ترسم المفاوضات من الآن وحتى 30 حزيران المقبل حدود الأدوار والمصالح ومواقع النفوذ بوضوح.
وفي التقويم الدبلوماسي أيضاً، أنّ إيران نامت منشرحة بُعيد التوصل الى الإتفاق الإطار، وإستيقظت لتجد نفسها محاصَرة، مطوَّقة من جبهات ثلاث: الدعم الدولي لـ«عاصفة الحزم» ممثلاً بقرار مجلس الأمن الأخير حول اليمن. العودة الى المفاوضات النووية إنطلاقاً من التفاهم الذي تمّ بين الرئيس باراك أوباما، والكونغرس. والتوجّه الجديّ نحو إنشاء قوّة عربيّة مشتركة، هدفها الأول، وضع حدٍّ للنفوذ الإيراني الفاعل والمؤثر في دول عربيّة متعدّدة.
هل حان زمن تسديد الفواتير، ودفع المستحقات؟
الجواب نعم، وفق مستجدات الساحة اللبنانية. لم ينجح «حزب الله» في تسويق دوره على المستوى الأميركي – الأوروبي – الغربي بأنّه تنظيم نقيض للإرهاب، يسخّر بندقيته لمحاربة التطرّف السنّي فيما هو يمارس تطرّفاً غير مسبوق في نشر أيديولوجية مقفلة تشكّل النقيض لمساحات الحريّة، والديموقراطيّة، والتعدّدية الثقافيّة المجتمعيّة، والإنفتاح.
لم ينجح «حزب الله» في نشر ثقافة الشراكة في محيطه، وما فهمه اللبنانيون منه، و»الحلفاء قبل الأعداء»، أنّ «ما لنا في هذا اللبنان هو لنا وحدنا، وما لكم، هو لنا ولكم، وصولاَ الى زمن لا يبقى فيه مكان لأيٍّ كان خارج دائرة الحزب».
هناك صدمة على مستوى الحلفاء، وإعادة قراءة لتموضع جديد، وربما بدأ الحزب يتحسّس ذلك، والدليل أنّ الكلام الموجَّه للحلفاء قد غاب عن خطابات الأمين العام السيّد حسن نصرالله، منذ أن بدأ التورّط في سوريا والعراق. ولم ينجح الحزب في الإحتماء طويلاً تحت خيمة «الشعارات الإنسانية»، و»نصرة المظلوم في وجه الظالم»، و»الغيرة الزائدة على قضيّة فلسطين».
القضية المطروحة أمامه اليوم، واضحة المعالم، لا يمكن للبنان أن يتخلّى عن عروبته لمصلحة المشروع الإيراني. لم يعد الصراع بين سنّة وشيعة، ولا بين «8 و14 آذار»، لقد تحوّل حول الموقع، والدور، والهويّة، وهناك تحدٍّ كبير قد فرَض نفسه أمراً واقعاً على الساحة يتناول الميثاق، والصيغة، وموقع لبنان في لعبة المحاور، والدور، والوظيفة.
ليس الكلام دفاعاً عن الطائف، بل إنه دفاع عن الحاضر، والمستقبل. لم يعد مهماً معرفة موقف الحزب من الأزمة في اليمن، بل ماذا بعد اليمن؟ والى أين يذهب بلبنان، والى أيّ منتهى، ومصير؟
حتى حوار عين التينة قد دخل دائرة الإلتباس، فإن كان جدّياً، يُستحسن السؤال على ماذا يتفق السنّة والشيعة في غياب المكوّن المسيحي؟ وإذا كان «للمظاهر» و»الحرص على اللياقات» فالتحدّيات الماثلة قد تخطّت كلّ هذا الفلكلور المسرحي.
وفي المحفظة الديبلوماسيّة إنطباعات ثلاثة: الأول: إنّ العرب بعد قرار مجلس الأمن، ماضون في إسترجاع عروبتهم ودورهم وثقلهم في الشرق الأوسط أيّاً تكن التضحيات. هناك يقظة سنّية – عربيّة في وجه التمدّد الإيراني لا يمكن الإستهانة بها، ولبنان هو إحدى ساحات المواجهة.
ثانياً: إنّ إيران التي أنهت بسرعة أيام الأفراح، والليالي الملاح إحتفاءً بإطار التفاهم، تذهب الى الجولة الجديدة من المفاوضات للتنازل، وتدفع، وتسدّد، لا لتكسب، وتضع الشروط. «زمن الأوّل، تحوّل»، وهي تعرف ذلك، وتعرف أنّ أيّ فشل في التوصل الى إتفاق، سيكون كارثيّاً عليها وعلى نفوذها في المنطقة.
ثالثاً: إنّ بوتين يعرف تماماً أنّ حماية دوره ونفوذه في سوريا، ومنها في المنطقة، يكون بالتفاهم مع السعودية ودول مجلس التعاون، لذلك إمتنع عن حق «الفيتو» في مجلس الأمن، لتمرير القرار الخليجي الخاص باليمن، والذي صدر تحت الرقم 2216.