شكّل الإصرار الأميركي المفاجئ على ضرورة المشاركة الإيرانية في لقاء «فيينا2» حول البحث في حل للأزمة السورية، منعطفاً بالغ الأهمية في المقاربة الغربية عموماً، والأميركية خصوصاً لهذه الأزمة، انتقلت فيه القوى التي كانت تحرص على استبعاد طهران عن أي تسوية إلى الحديث عن دور إيراني في التوصّل إلى معادلة سياسية تنهي الصراع الدامي منذ نحو 5 سنوات على الأراضي السورية. وبصرف النظر عن بعض الإعتراضات الغربية المسجّلة على هذه المشاركة، والتي اقتصرت على بعض العواصم الأوروبية فقط من دون أي عواصم خليجية أو عربية على خلاف مع إيران، فإن مصادر ديبلوماسية عربية في بيروت، كشفت عن ملاحظات تم تسجيلها من قبل أكثر من طرف إقليمي، ومن دون الدخول في التسميات، على الإنخراط الأميركي الكامل بالمبادرة الروسية السياسية للأزمة السورية. وإذ أكدت أن الإدارة الأميركية قد حرصت منذ بداية التدخّل العسكري الروسي في سوريا، على وضع أطر معينة لما يمكن أن تصل إليه العمليات العسكرية من مستويات متقدّمة، خصوصاً لجهة التدخّل البرّي.
ولاحظت المصادر أن مبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المطالبة بحضور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على طاولة الإجتماع الوزاري في فيينا، تحمل دلالات بارزة على التحوّل الواضح والكبير في الموقف الأميركي، وليس تجاه طهران فقط، بل تجاه النظام السوري. لكنها في الوقت نفسه لم تغفل الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية ترمي من وراء إشراك طهران بالحل في سوريا إلى تحقيق أكثر من هدف في المرمى الروسي أولاً، كما في المرمى الإيراني ثانياً، وفي المرمى السوري ثالثاً. وأوضحت أن من أبرز هذه الأهداف السعي إلى استدراج الطرفين الحليفين للنظام السوري إلى مواجهة مباشرة على «طاولة فيينا2»، حيث سيطرح كل منهما أوراقه على هذه الطاولة لتناقشها الأطراف الأخرى المشاركة.
وأشارت إلى أن الديبلوماسية الأميركية قد تعلّمت درساً من مؤتمر مدريد 1992 الذي استثنت فيه إيران بضغط لافت من إسرائيل، ولذلك، فهي حرصت اليوم على إشراك طهران في التسوية في سوريا، وذلك من زاوية إعادة التوازن وإفساح المجال أمام الديبلوماسية التي انتصرت في إنجاز الإتفاق النووي، لتحقيق إنجاز مماثل من خلال التوصّل إلى الحل في سوريا عبر المفاوضات، وليس عبر التدخّل العسكري.
كذلك، أضافت المصادر نفسها، فإن واشنطن تلعب على التناقضات التي ستحضر من خلال مواقف العواصم المشاركة في لقاء «فيينا2»، حيث سيسجّل تباين كبير في النظرة السعودية للحل مقابل النظرة الإيرانية، وأيضاً بالنسبة للمقاربة الروسية والمقاربة الأميركية والمقاربة التركية أو المصرية أو اللبنانية أو الأوروبية.
وفي هذا المجال، تحدّثت المصادر الديبلوماسية نفسها، عن اتجاه أميركي لتوظيف مفاعيل الإتفاق النووي الإيراني من خلال العمل للحصول على مكاسب مقابل الإفراج عن الأرصدة الإيرانية والإقرار بالدور الإيراني في المنطقة، بدءاً من الساحة السورية. وأكدت أن كل طرف مشارك في لقاء «فيينا2» يحمل أجندة سياسية مختلفة عن الطرف الآخر، كما أنه يحدّد هدفاً خاصاً به من خلال المساهمة ببحث الحل السلمي للأزمة السورية، ولكن من دون أن تكون هناك أي تصوّرات مسبقة من قبل الطرف الأبرز على طاولة فيينا وهو روسيا والولايات المتحدة الأميركية.