IMLebanon

عودة خجولة انطلقت… وعرسال تنتظر تخفيف عبء النازحين

 

أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان تتصدّر عرسال قائمة المشهد بهم، بعد أن غصّت بالآلآف منهم منذ بداية الأزمة، وهي تنتظر اليوم عودةً آمنة لهم لتستعيدَ عافيتها بعد أن أنهكها عبءُ النزوح وفتح لها الأبواب على مختلف المشكلات الإجتماعية والبيئية التي تحتاج جهداً إضافياً لحلّها.

دخلت عودة النازحين السوريين التدريجية إلى بلدهم ولو بأعداد صغيرة في عرسال مرحلة التنفيذ على أن تُستكمل بالوتيرة نفسها خلال الأيام المقبلة وعلى مراحل لحين تأمين عودة جميع المسجّلين الراغبين بالعودة، وتأتي تلك العودة بعد الجدل الأخير حول العودة الآمنة للنازحين السوريين وما رافقها من إعتراضات على عمل المفوّضية العليا للاجئين التي شجّعت النازحين على عدم العودة لحين تأمين الأمن والإستقرار في سوريا بحسب الخارجية اللبنانية.

مسارُ العودة
وأتت عمليةُ العودة التي تمّت أمس، بعد عامٍ تقريباً على العودة الأولى التي شملت أكثر من مئة وخمسين شخصاً إلى منطقة القلمون الشرقي، وكانت عملية الأمس بدأت بتسجيل لائحة ضمّت 3200 إسم منذ أربعة اشهر في بلدية عرسال بحسب رئيس لجنة القلمون للعودة خالد أحمد عبد العزيز الذي قال لـ «الجمهورية» إنّ «اللجنة تشكّلت منذ أكثر من سنة وهي تقوم بالتنسيق مع الدولة اللبنانية والأمن العام، وقد أتت الموافقة من الدولة السورية على 369 إسماً على أن تُستكمل عملية عودة الباقين من المسجّلين بعد أيام».

ومنذ الصباح إستحدث الأمن العام اللبناني نقطة في محلّة وادي حميد عند حاجز الجيش اللبناني للتدقيق في أسماء العائدين والتي وافق عليها الجانب السوري، وسط حضور كثيف للجيش اللبناني ودوريات مؤلّلة جابت شوارع عرسال وحواجز ثابتة، إضافة إلى حضور للصليب الأحمر اللبناني. عشرات السيارات والجرّارات الزراعية والشاحنات المحمَّلة بالأمتعة وبعض المواشي تجمّعت في النقطة المحدّدة لها في وادي حميد، حيث بدأت بالعبور عبر نقطة الأمن العام واحدة تلوَ الأخرى بعد الإنتهاء من التدقيق بأسماء المغادرين، من ثمّ انتقلت إلى المقلب الآخر في محلة حميد وانتظرت حتى الإنتهاء من التدقيق في كلّ الأسماء، ومنه إلى معبر الزمراني الواقع على حدود فليطا السورية حيث أقام الأمن السوري نقطة للتدقيق في الأسماء ومِن هناك انتقل العائدون إلى داخل الأراضي السورية لبلداتهم في جراجير، فليطا، السحل، قارة، وأصبحوا في عهدة الدولة السورية.

وعليه سارت الأمور وفق ما رُسم لها، ما خلا بعض الاعتراضات من النازحين السوريين الذين أتوا إلى نقطة التجمّع ظنّاً منهم أنّ أسماءَهم ضمن التي تمّ الموافقة عليها من الجانب السوري. كذلك عمل الأمن العام اللبناني على تسهيل العودة عبر إدراج أسماء أطفال دون الـ 15 سنة وكبار السن حيث امتنع العديد من العائدين عن إكمال مسيرتهم دون أولادهم أو والديهم ما دفع الأمن العام لإدراج الأسماء تسهيلاً لعملية العودة.

حكاياتُ عائدين
عادت جوليا أسعد كلكوش مع ولديها (12و14 عاماً) إلى بلدة جراجير فيما بقي ثلاثة من أولادها في عرسال في انتظار تسوية أوضاعهم في سوريا لجهة الخدمة في الجيش السوري، وتطالب جوليا بعد خمس سنوات على مكوثها في عرسال السماح لها بالعودة إلى عرسال بطريقة نظامية لزيارة أولادها، كي لا تضطر للدخول مجدّداً إلى لبنان بطريقة غير شرعيّة لزيارتهم.

بدوره، غادر علي عبدالله (34 عاماً) وترافقه زوجته وولداه اللذان لم يتجاوز عمرهما عمر الأزمة السورية إلى منطقة السحل في القلمون، وروى عبدالله لـ «الجمهورية» المرحلة التي مرّ بها تسجيلُ أسماء الراغبين بالعودة، وقال إنّ البداية كانت عبر التسجيل في بلدية عرسال ثمّ جاء التسجيل الثاني لدى منظمة اللاجئين التي أدرجت الأسماء من جديد لكلّ مَن يريد العودة بسيارته ومتاعه، وعليه كان لكل منطقة في القلمون ولنازحيها مسؤولٌ يتمّ تسليمُه الأسماء وأرقام السيارات التي سيعودون بها، بدورهم يسلّم المسؤولون عن القرى القلمونية الأسماء إلى بلدية عرسال. ويشير عبدالله إلى أنّ والده وهو كبير السن لا يزال في سوريا ومنزلهم غير متضرّر وبالتالي فالعودة وفق قوله أصبحت واجبة، وإلى جانبه يعتري وجهُ زوجته البسمة الواضحة فرَحاً بالعودة وتقول: «بيكفي لح تنشال عنا صفة نازح».

إعتصام
وفي مشهد مناقض للرغبة بالعودة لم تنفكّ الحاجة أم محمد عن البكاء أثناء وداع شقيقتها رفضاً للعودة إلى سوريا وهي لم تقم بتسجيل اسمَها وأسماءَ أولادها بغية الرجوع إلى سوريا، وقالت لـ «الجمهورية»: «مَن منّا لا يحب أن يعود لكن لا أمانَ بعد، وهذه العودة هي عودة عشوائية فلا نعرف ماذا ينتظرنا هناك مِن خدمة جيش لأولادنا ومعاقبتهم على معارضة النظام، ونفضّل البقاءَ في الخيمة على العودة إلى الموت»، وتشير إلى أنّ «لها ولداً موقوفاً منذ سنة بتهمة الإرهاب والقتال في معركة عرسال»، وقالت: «لو كان لنا علاقة بالإرهاب لغادرنا عرسال بالباصات مع الذين غادروا مكرَّمين».

وفي وقت إنتهى مشهد عودة ما يقارب 400 نازح سوري على خير، يتحضّر عددٌ من أهالي بلدة القصير وعدد من قرى القلمون لتنفيذ اعتصام اليوم في عرسال، عند الساعة الثانية بعد الظهر، للمطالبة بتأمين عودةٍ سالمة للنازحين وتأكيد رفضهم التوطين. وفي هذا الإطار، قال عضو لجنة التنسيق والمتابعة الخاصة بأهل القصير مع أهل القلمون زياد الواو لـ «الجمهورية»، «إننا نضع بهذا الإعتصام رأينا أمام الدولتين اللبنانية والسورية والمجتمع الدولي رغبةً بالعودة إلى سوريا، ونُظهر وضع القصير التي لم يُفتح ملفُّها حتى الآن، وحتى النازح القصَيري الموجود في سوريا لم يستطع العودة إليها، فـ 80 بالمئة منها مدمّرة وهي تحتاج الى جهد محلّي ودولي والى مساعدة الجمعيات لإعادة إعمارها وعودة أهلها سالمين».

إلى ذلك، أعلنت المديرية العامة للأمن العام في بيان أمس أنها «قامت اعتباراً من صباح اليوم (أمس) بتأمين العودة الطوعية لـ294 نازحاً سورياً من مخيمات عرسال إلى بلداتهم في سوريا».

وأفادت المديرية أنّ «النازحين انطلقوا بسياراتهم وآلياتهم الخاصة من نقطة التجمّع في وادي حميد -عرسال- بمواكبة دوريات من المديرية العامة للأمن العام حتى معبر الزمراني الحدودي. وتمّت عودة النازحين بالتنسيق مع المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR وحضورها، بعدما كانت قد تواصلت مباشرة مع الراغبين بالعودة».