«الذئاب المنفردة نوع جديد من الإرهاب والأجهزة الأمنية تقوم بأقصى جهد لعدم تكرار هكذا حوادث» قالت أمس وزيرة الداخلية ريا الحسن في مؤتمر صحافي من سرايا طرابلس. لكن بعد مراجعة طبيعة الهجمات الإرهابية خلال السنوات الفائتة، يتبين أن صفة «الذئب المنفرد» يمكن أن تنطبق على جزء كبير من منفذي تلك الهجمات، وهو ليس نوعاً جديداً من الإرهاب. وقبل البحث في المصادر العلمية التي تتناول مصطلح «الذئب المنفرد»، لا بد من الإشارة إلى وجوب التوسع في التحقيق في الهجوم الذي وقع أخيراً في مدينة طرابلس وإحالة محاضره على القضاء الذي له الحق والصلاحية الحصرية لحسم طبيعة الجرم وخلفياته ودوافعه. وبالتالي، إن قيام أيٍّ من المسؤولين الإجرائيين بإطلاق الأحكام المسبقة والنظريات المتسرعة يفتقر إلى الدقة والاحتراف، وهو مخالف للأصول، خصوصاً عندما لا يكون مطلقه من ذوي الاختصاص العلمي فيبدو هاوياً في حفظ الأمن وتطبيق القوانين.
يستخدم علماء الجريمة صفة «الذئب المنفرد» لوصف الجاني الذي يتصرف وحده من دون إشراك أحد في تحضير الجريمة وتنفيذها. وكان الكاتب الأميركي تيلوتسون، من أوائل الذين استخدموا هذا المصطلح عام 1909 في كتابه «كيف تصبح محققاً». ومنذ ذلك الحين، بات اللصوص الذين يقومون بنشاطهم الجنائي من دون أن يكونوا جزءاً من عصابة، يُعرفون بـ«الذئاب المنفردة». أما في ما يخصّ الجرائم الإرهابية، فقد يكون المتعصّب العنصري الأبيض الجنوب إفريقي باريند ستريدوم، أوّل من اشتهر بلقب «الذئب المنفرد» بعد تنفيذه هجوماً إرهابياً في بريتوريا (جنوب إفريقيا) في 15 تشرين الثاني 1988 قتل خلاله 7 أشخاص وجرح 15. إذ تبين فعلاً أنه كان قد خطط ونفذ الهجوم بمفرده ومن دون معاونة أو مشاركة أحد. والغريب في الأمر، أنه ادعى أنه ينتمي إلى منظمة خيالية أطلق عليها اسم «منظمة الذئاب البيضاء».
يطالب بعض العلماء باعتماد مصطلح «الكلب المسعور» بدلاً من «الذئب المنفرد»
نائب مساعد الرئيس دونالد ترامب، سيباستيان غوركا، كان قد ادعى أنّ الرئيس السابق باراك أوباما هو الذي اخترع مصطلح «الذئاب المنفردة»، بينما الحقيقة هي أن المنظمات الإرهابية المتعصبة البيضاء كانت قد عملت على انتهاج هذا النوع من الهجمات الإرهابية خلال ثمانينيات القرن الماضي للإفلات من ملاحقة الشرطة. فرصد المخطط المنفرد وانكشافه أكثر صعوبة من رصد المجموعة المخططة والمنفذة. وقد يكون المتعصّب الأبيض الأميركي طوم ميتسغر، الذي كان يُعَدّ قائداً لمناصري النازية وحليقي الرأس في الولايات المتحدة، أحد أبرز الداعين إلى انتهاج أسلوب الذئاب المنفردة للتخلص من اللاجئين والسود واليهود والعرب وغيرهم.
ومنذ ذلك الحين، تتالت هجمات إرهابية لذئاب منفردة من مختلف التوجهات والجنسيات والديانات.
الكاتب في صحيفة «وول ستريت جورنال»، بن زيمر، نشر تقريراً موسعاً في 19 كانون الأول 2014، شرح فيه أن مصطلح «الذئب المنفرد» كانت تستخدمه قبائل السكان الأصليين في أميركا، وهو لقب يمنح لقائد القبيلة أو لأحد رجالاتها الأقوى الذي لا يحتاج لمساعدة أحد أثناء الصيد أو في الحرب أو خلال المواجهة، حيث إنه لا يخشى شيئاً، ويمكنه تحقيق النصر بمفرده.
لكن بما أنّ صفة «الذئب» قد تدلّ على القوة والعنفوان والشراسة والبسالة، فيطالب بعض العلماء باعتماد مصطلح «الكلب المسعور» بدلاً من «الذئب المنفرد».