في الوقت الذي بدأت فيه امس الثلاثاء مُناقشة مشروع قانون المُوازنة على طاولة مجلس الوزراء، بالتزامن مع تحرّكات شعبيّة ميدانيّة من قبل بعض القطاعات، إعتراضًا على بُنود تطال لقمة عيشهم، رأت أوساط سياسيّة مُتابعة أنّ ملفّ المُوازنة الذي يُنتظر أن يكون الشغل الشاغل للبنانيّين خلال شهر أيار، بداية على مُستوى السُلطة التنفيذيّة ومن ثم على مُستوى السُلطة التشريعيّة، يُشكّل ما أسمته «مطبًّا وتفصيلاً صغيرًا» أمام ما ينتظر لبنان واللبنانيّين في المُستقبل القريب، من مَخاطر كبيرة ومن ضُغوط على مُختلف المُستويات.
وأوضحت هذه الأوساط أنّ السُلطة الرسمية في لبنان مُطالبة فور إنجاز المُوازنة الجديدة، وإقرار بنودها في مجلس النوّاب، بتنفيذ الإجراءات الإصلاحيّة والتقشّفية التي ستتضمّنها، خلال وقت قصير، لأنّ عدم تقيّد لبنان بمُقرّرات مُؤتمر «سيدر» بالسرعة اللازمة، سيُؤدّي إلى خسارته جزءًا من أموال المُساعدات المُخصّصة له، في الوقت الذي ترزح فيه المصارف في لبنان تحت عبء إقناع اللبنانيّين الذين يملكون حسابات بالعملة الوطنيّة بعدم تحويلها إلى الدولار الأميركي أو إلى أيّ من العملات الأجنبيّة، تجنّبًا لمزيد من الضُغوط على سعر صرف الليرة.
ولفتت الأوساط إلى أنّ الضغط الخارجي الذي تُواجهه المصارف لا يقلّ أهميّة عن الضغط الداخلي، حيث أنّ العُقوبات الإقتصاديّة الأميركيّة المُتتالية على حزب الله، وعلى كل من تتهمّه الإدارة الأميركيّة بالتعامل مع الحزب، يترافق مع مطالب أميركيّة من المصارف، بوُجوب التشدد في مُراقبة كل التحويلات الماليّة من لبنان وإليه، وبضرورة تتبع مصادر هذه التحويلات بدقّة كبيرة، منعًا لأي خرق للعُقوبات أو لأي إلتفاف مُتعمّد ومدروس عليها!
وكشفت الأوساط السياسيّة أنّ سلاح حزب الله سيعود إلى الواجهة السياسيّة والإعلاميّة، بعد فترة من الهُدوء – إذا جاز التعبير، حيث أنّ الضُغوط الخارجيّة عادت لتُمارس بقُوّة على السُلطة السياسيّة في لبنان، لوضع ملفّ الإستراتيجية الدفاعيّة على طاولة البحث، تنفيذًا لتعهّدات سابقة في هذا المجال. وتوقّعت الأوساط نفسها أنّ يكون هذا الملفّ محطّ مُتابعة أميركيّة وغربيّة مُستمرّة، بحيث سيكون عندها من الصعب تمرير البحث في هذا الموضوع من دون إتخاذ أي قرارات جِدّية، كما حصل في مراحل سابقة، تحت وطأة التهديد المُبطن بترك الحريّة لإسرائيل للتعامل كما ترغب مع ما تعتبره تهديدًا لها.
ورأت الأوساط السياسيّة نفسها أنّ الأخطر يتمثّل في قرب صُدور الحُكم في ملفّ المَحكمة الدَولية الخاصة بلبنان، مع ما يعنيه هذا الأمر من ضُغوط إضافيّة، بسبب توقّع تزامنه مع فتح ملف حزب الله وسلاحه على مصراعيه، ومع فرض مجموعة من العُقوبات الجديدة على شخصيّات مَحسوبة على الحزب بحسب المعايير والتوصيفات الأميركيّة. وتوقّعت الأوساط أن يكون ملفّ إستخراج النفط والغاز الذي يعمل لبنان على تحريكه، بعد طول تأخير، وبعد أن سبقته دُول المنطقة في ذلك، عرضة للمُساومة من جانب الإدارة الأميركيّة، حيث أنّ الضُغوط الخارجيّة كبيرة لعدم ترسيم الحُدود البريّة والبحريّة التي تُشكّل محط خلافات كبرى مع العدو الإسرائيلي، ما لم يتخذ لبنان إجراءات ملموسة لضبط حُدوده ولمنع الخروقات للقرارات الدَوليّة، ولوقف تدفّق الأسلحة إلى حزب الله. وفي هذا السياق، لفتت الأوساط نفسها إلى أنّه – وكما أنّ لبنان يتعرّض لضُغوط بشأن وُجوب التقيّد بتنفيذ القرار رقم 1559، كما يظهر في مضامين التقارير الصادرة عن أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الدَوريّة، فإنّ التقرير المُتوقّع صُدوره قريبًا بشأن تنفيذ القرار 1701 سيُحمّل لبنان مسؤوليّة الخروقات المُتمثّلة في الأنفاق البريّة العابرة للحُدود، وسيطلب من السُلطة في لبنان عدم التساهل في هذا الموضوع، ورفع مُستوى تنسيقها مع قوّات الأمم المتحدة العاملة في الجنوب، لضبط الحُدود، تجنّبًا لأي تصعيد أمني.
ورأت الأوساط السياسيّة المُتابعة أنّه من حسن حظّ لبنان، أنّ بعض الدول الأوروبيّة تُحاول فرملة ضُغوط الولايات المتحدة الأميركيّة عليه، وأوضحت أنّ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان سيزور لبنان خلال شهر أيّار المُقبل بحسب المعلومات المتوفّرة، وذلك تحضيرًا لزيارة رسميّة سيقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت لاحق دعمًا للبنان. وأوضحت أنّ زيارة ماكرون المُرتقبة ستكون مُخصّصة من جهة لدعم تنفيذ مُقرّرات «سيدر» وتأمين تحويل الأموال الضرورية للبنان بدون تأخير، وهي ستهدف من جهة أخرى إلى تأمين الغطاء السياسي والمعنوي للبنان، إلتفافًا على الضغوط الأميركيّة التي تطاله بسبب الملفّات المُتشعّبة من موضوع سلاح حزب الله، وإلتفافًا على الضُغوط التي تطال إيران وتؤثّر بشكل غير مُباشر على لبنان، حيث أنّ الرئيس الفرنسي يعرف الخُصوصيّات والحزازيّات اللبنانيّة، ويُجيد التعامل معها بشكل أفضل بكثير من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته.