IMLebanon

في بيتنا جاسوس

 

 

بات الهاتف المحمول مصدر رعب لا يُستهان به لدى اللبنانيين، وذلك بفعل التقنيات الإسرائيلية المتطورة لرصد حركة من تستهدفه من خلال هذه الأجهزة الالكترونية التي تشاركنا يومياتنا. وكأنه لم يكن ينقصنا إلا هذه الاستباحة لتكتمل ويلاتنا، ويتلاشى الرمق الأخير من الأمان في بلد صار الأمان فيه عملة نادرة.

 

قد يقول قائل إنّ خصوصياتنا مستباحة منذ زمن وإنّ التنصت علينا من خلال الهواتف المحمولة والأجهزة الالكترونية كان حاصلاً على يد جهابذة الوصاية السورية، ومن ثم على يد «حزب الله» ليحكم قبضته ويرسِّخ مصادرته سيادة لبنان لمصلحة إيران. لكن رفض سياسات «الحزب» واستراتيجيته لتفليس البلد لتسهيل الإطباق عليه وفق النهج الإيراني المعتمد من العراق إلى سوريا إلى اليمن، لا يعني مطلقاً القبول بالعدوان الذي يمعن فيه العدو الصهيوني سواء من خلال إبادة الفلسطينيين في غزة أو من خلال استهدافه من يريد في لبنان وسوريا وأينما وصلت آلته العسكرية.

 

وليس تفصيلاً شعورنا أنّه في بيتنا جاسوس لأنّ العدو الإسرائيلي قادر على اختراق خصوصياتنا ومكالماتنا وشبكات الهواتف الخلوية والثابتة، كما أفاد بيان صادر عن «حزب الله» يشير إلى «أن العدو يلجأ إلى الاتصال بالناس من أرقام هواتف تبدو لبنانية، عبر الشبكتين الثابتة والخلوية»… و»يسعى المتصل، الذي يتحدّث بلهجة لبنانية سليمة، إلى استقاء معلومات يستغلّها للتثبت من وضعية وجود الإخوة المجاهدين في بعض البيوت التي يعتزم استهدافها». وتمنى البيان على الناس «عدم التجاوب مع المتصل والمبادرة إلى قطع الاتصال فوراً، والمسارعة إلى إبلاغ الجهات المعنية»!

 

الأمر فظيع وكريه وخطير. ذلك أنّ الأخطر هو أنّ المسؤولين المتواطئين على السيادة، لم يتركوا لنا دولة قادرة على حماية أمنها من الاعتداءات الإسرائيلية أو غيرها، كما أنّ من انتهك الدولة ومؤسساتها بحجة تفوقه عليها في الإمكانات لحماية البلد، هو أيضاً فاشل في الحؤول دون الاختراق الإسرائيلي نتيجة نقاط ضعف تكنولوجية في أمنه، عدا احتمال وجود عملاء متغلغلين إلى بنية مقاتليه يرصدون تحركاتهم.

 

بالتالي علينا كلبنانيين أن نتحمَّل تبعات كل هذا التورط والتعقيدات الملحقة به، لأنّ من يدّعي أنّ سلاحه لحمايتنا ولدرء العدوان عنا، يطلب منا مساعدته لأنّه بحاجة إلى من يحميه، ولأنّ قوة «حزب الله» وبحسب مقاييس العدو يجب أن تنحصر وظيفتها في تقويض سبل الحياة للبنانيين والسوريين والفلسطينيين، ولكن غير مسموح لها بأن تنجح في التحوّل إلى قوة ردع لدرء خطر هذا العدو عنا، لذا أصبحت عنصراً من العناصر التي تستدعي من إسرائيل القضاء عليها، إلى جانب الأطماع المعروفة لتبقى كياناً مغتصباً ومخرّباً لاحتمال أي استقرار في المنطقة، مع إصراره على رفض حلّ الدولتين وإعطاء الفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم، أو من خلال الإمعان في اغتصاب أراض لبنانية وسورية.

 

والأمر جلل في ضوء التطورات المدمرة على أكثر من جبهة، وتحديداً بعد اضطرار إيران لتحسين أوراقها، واستخدام ورقة تهديد الملاحة في البحر الأحمر، لتعاجلها الولايات المتحدة وبريطانيا بضربات عسكرية شنتها ضد أهداف للحوثيين في اليمن. وكأنه كتب علينا دفع ثمن هذه التطورات، وما سوف تستدعيه من ردود فعل لن يبقى لبنان بمنأى عنها، وكذلك المنطقة مما يعيد خلط الأوراق ويضعنا أمام سباق بين الحرب الكبرى أو التسوية الكبرى.

 

ومع وجود جاسوس في بيت كل لبناني، ومع غياب أي نظام كافٍ لحماية البلد والممانعة المتحكمة به، ومع هذا الانكشاف في ميدان تحكمه النار، يبدو أن هذا السباق سيكون مدمراً، ولن يفيدنا التهديد برد الصاع صاعين.