الذين راهنوا على ان يكون اتفاق حزب القوات اللبنانية، وحزب التيار الوطني، اشبه بغيمة صيفية لا تحمل هواء ولا مطراً، سيفاجأون، محطة بعد اخرى، ان الاتفاق الذي عقد في معراب بتاريخ 18 كانون الثاني، وتوج بتبني الدكتور سمير جعجع ترشيح العماد ميشال عون لمنصب رئاسة الجمهورية، تحول بالممارسة العملية الى تحالف مفتوح على العديد من القضايا ذات الاهتمام المتشرك بين الطرفين، تعني في شكل عميق الوضعين المسيحي والوطني، بصرف النظر عن استمرار كل فريق التمسك بحلفائه وتحالفاته، وبعيدا من وصول العماد عون الى سدة الرئاسة، او عدم وصوله، فالتوافق هنا والذي تحول الى تحالف، اصبح واقعاً في اهتمام قيادتي الحزبين وقاعدتيهما الشعبيتين، فعند اي مناسبة، ذات طابع مسيحي ووطني، يشعر الفريقان انهما معنيان بمواجهتها معاً، تأكيدا على ان عنصر القوة الفاعلة، يكون بالجمع وليس بالقسمة، آخذين في الاعتبار والاهتمام والتمني ان يكون الجمع اكبر واوسع، بهدف ان تكون النتائج افضل واشمل وقد اثبت الواقع المعيوش والمجرب، ان تفاهم القوات والتيار، بدأ يخلق في الوجدان المسيحي، شعوراً بالقوة والاعتزاز، والقبول شبه الكامل بتفاهم الحزبين الكبيرين على خيار المسيحيين خصوصا واللبنانيين عموماً، وهذا الشعور ظهر ببعده الثلاثي في انتخابات الرابطة المارونية، التي جرت يوم السبت، والتي اكدت بالارقام في البيت الماروني الاوسع، ان تحالف القوات والتيار خلق موجة غير مسبوقة في انتخابات الرابطة، حيث شارك في الانتخابات 767 منتسبا للرابطة من الـ 985 سددوا اشتراكاتهم، حصد منها تحالف الحزبين كرقم وسطي 622 صوتاً، مقابل 145 صوتاً، كرقم وسطي ايضا لمرشحين مستقلين، قرروا الاستمرار في المنافسة تعبيراً عن تمسكهم بمبدأي الحرية والديموقراطية، وهذا موقف يحسب لهم وليس عليهم، وفي حقيقة الامر والواقع، فان هذه الارقام التي ظهرها فريق كبير من اهل النخبة لدى الموارنة قد تكون ذاتها او ربما اكبر حجماً لدى الكاثوليك والارثوذكس والمذاهب المسيحية الاخرى، ما يعطي صورة واضحة لا يمكن التشكيك بصحتها، كما جرى بالنسبة لاستطلاعات الرأي، بل يمكن القول بالرجوع اليها، ان المسيحيين تواقون الى وحدة الكلمة والصف خصوصا في هذه الايام البائسة وطنياً ومسيحياً، ووجدوا في تفاهم التيار والقوات باباً فعبروا منه الى حالة لم الشمل ووحدة الموقف والامل بتوسيع حلقة التفاهم والتحالف مع جميع الافرقاء «الخائفين» او المترددين.
***
يمكن القون ان انتخابات الرابطة المارونية، كانت الاختبار الاول في معمودية التحالف بين حزبي القوات والتيار، كما ان الندوة المشتركة التي عقدت في زحلة تحت عنوان «اي لبنان بعد المصالحة المسيحية»، وشارك فيها عرابا التفاهم، ابراهيم كنعان وملحم رياشي، وادارها رئيس تحرير اذاعة لبنان الحر الزميل انطوان مراد، وحضرها جمهور غفير ونواب وممثلون عن جميع الفاعليات الزحلية، كانت الاختبار الثاني الناجح لتفاعل الرأي العام المسيحي مع اتفاق القوات والتيار، كما ستلي تباعاً اختبارات اخرى، مثل الانتخابات البلدية، والانتخاب الفرعية في منطقة جزين، والتوافق على قانون الانتخابات، وفي اي انتخابات نقابية وطالبية مقبلة، تعبيراً عن رغبة صادقة لدى الحزبيين، بعدما حلت الثقة محل التشكيك، وتقدمت المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
***
يؤكد الطرفان، ان العودة الى الماضي، اصبحت من الماضي، وان الحزبين، اليوم، وغداً، وفي المستقبل، لن يخذلا انصارهما واصدقائهما، ولن يخذلا المسيحيين، وحتى في حالات الاختلاف في وجهات النظر، من المستحيل ان يتحول الاختلاف الى خلاف، الا في حالة من حالات ساعة التخلي ولن يحصل، فقطار التفاهم وضع على سكة التحالف، ولن يوقفه احد.