للمرة الأولى في تاريخ الحروب الداخلية في المخيمات الفلسطينية، تبدو المعركة في مخيم عين الحلوة مشروعةً طالما أنها تستهدف مجموعة ترفض الإجماع على توحيد أمن المخيم والتزام ما تعهّدت به السلطة الفلسطينية تجاه لبنان بعدم إيواء المجرمين والتزام القوانين اللبنانية طالما أنّ الفلسطينيين ضيوف على أراضيها. وهو ما يجعلها «معركة حلوة». فما هي الظروف التي قادت الى هذا التوصيف؟
تعتقد مراجع أمنيّة لبنانية تراقب أوضاع المخيمات الفلسطينية، أنّ العملية العسكرية الجارية في عين الحلوة منذ أيام لها ما يُبرّرها على اكثر من مستوى لبناني وفلسطيني.
فالمخيم يجب أن يرتاح من مجموعة صغيرة من المسلحين إمتهنوا التحكّم بأمن اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فيه وأمن اللبنانيين في جواره. وهم يجمعون بين صفوفهم مجموعة من المسلحين المرتكبين الفارّين من وجه العدالة بعدما سبق لهم أن قاموا باعتداءات موثقة استهدفت شخصيات فلسطينية ولبنانية وقوى عسكرية وأمنية لبنانية ولا بد من إنهاء وجودهم في أيّ حال.
وعلى هذه الخلفيات، تقول المراجع الأمنية إنها تراقب مجريات العملية العسكرية التي طال أمدُها بعدما اعتقدت أنها ستكون عملية خاطفة وسريعة تنهي وضعاً شاذّاً تجاوزت مخاطره أمن المخيم وسكّانه، قبل أن ينعكس ذلك سلباً على المنطقة بمجملها ومنع أيّ احتمال لإستغلال الوضع لإمرار مخططات خارجية تُسيء الى المستهدَفين جميعاً من لبنانيين وفلسطينيين.
وبعيداً من الروايات التي ربطت بين العملية الأمنية والوضع في المنطقة، تعتقد المراجع الأمنية اللبنانية أنها مواجهة محدودة في الزمان والمكان ولا خلفيات إقليمية ودولية لها كما يحاول البعض أن يصوّرها لأهداف تؤدي الى حماية مثل هذه المجموعات، خصوصاً تلك التي ربطت بين ما يجرى ومخططات خارجية، فالوضع لا يتحمّل مثل هذه السيناريوهات.
ذلك أنّ بلوغ هذه المرحلة من التعقيدات لم تكن المؤسسات الأمنية اللبنانية لتسمح به بأيّ شكل من الأشكال، فقد تجاوز المخيم هذه المعادلة نتيجة التفاهم اللبناني – الفلسطيني سياسياً وعسكرياً وديبلوماسياً.
وبات الأمر مرهوناً بالتنسيق القائم بين مسؤولي الفصائل الفلسطينية المعترف بها من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية والإسلاميين المعتدلين حتى إنها تحظى برضى وموافقة المنظمات التي تنازع السلطة في غزة والضفة الغربية مثل حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» اللتين تحسبان حسابات مهمة للمصلحة اللبنانية والفلسطينية المشتركة في أمن المخيم ومحيطه.
وعليه تبدو المعركة واضحة وهادفة الى الإمساك بأمن المخيم بواسطة القوة الأمنية المشتركة وكان على قائد المجموعة المستهدَفة بلال بدر ومَن التحق به من المسلحين المنفردين من بقايا مَن انتسبوا الى المجموعات التكفيرية والإسلاميين المتشددين، أن يعوا هذه الحقيقة منذ البداية.
فالمعركة الجارية في المخيم محصورة بهذه القراءة السياسية الداخلية على الساحة الفلسطينية في لبنان، ولا داعي للتوسع في قراءتها وربطها بالتطورات الإقليمية، وإنّ القرار الأمني الذي افصحت عنه القيادة الفلسطينية اكثر من مرة قد حان أوان تنفيذه.
فالسلطة الأمنية داخل المخيم ستكون في عهدة القوة الأمنية المشتركة التي شُكلت على أساس التفاهمات الفلسطينية الداخلية المحلية وتلك المرتبطة بالسلطة في رام الله، وفي محاولة هي الأكثر جدّية لتثبيت الشرعية الأمنية للفصائل المعترَف بها لدى الدولة اللبنانية وهي المنضوية تحت لواء منظمة التحرير وتحالف الإسلاميين المعتدلين على أن يكون أمن المداخل والمحيط في عهدة الجيش والقوى الأمنية اللبنانية.
وتعترف المراجع بأنه على هذه الأسس سُمِح للقوة الأمنية في المخيم أن تطلب مؤازرة وحدات إضافية من هذا التحالف للإمساك بأمنه والإنتشار في مختلف أحيائه بلا أيّ منازع. فكان الإذن بنقل 200 مسلح فلسطيني من مخيمات صور والقاسمية لتوفير القوة الكافية لحسم الموقف في عين الحلوة الأمر الذي لم يتحقق بعد، نظراً الى عجز القوة الأمنية عن إنهاء مجموعة بدر المتمركزة في أكثر الأحياء كثافةً سكانيةً في المخيم.
وعليه قالت المراجع إنه وفي انتظار انتهاء المفاوضات الجارية على اكثر من مستوى أمني وقيادي فلسطيني لإنهاء الوضع الشاذ، تبقى الإشارة واضحة الى أنّ المجموعة المستهدَفة تستغل الظروف الإقليمية لتكبير حجمها واستغلال المناسبات.
فكانت سبباً في توتير الأجواء تزامناً مع أحداث محدّدة، ففجّرت الوضع في المخيم للمرة الأولى مع زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لبيروت ما بين 22 و24 شباط الماضي، وفي الجولة الثانية أثناء انعقاد القمة العربية الأخيرة في عمان، وثالثها مع القصف الصاروخي الأميركي على قاعدة الشعيرات السورية قبل ايام.
وعليه ختمت المراجع أنه ومنعاً لتكريس هذا الإستغلال وجعله قاعدة ثابتة، كانت «الثالثة ثابتة». فتمّ استعجال الخطوة الحاسمة وبات الهدف الأبرز من العملية الفصل نهائياً بين الحدث في حدّ ذاته وفي إطاره الفلسطيني الداخلي من جهة والتطورات الإقليمية من جهة أخرى.
وعلى أمل أن تُكتَب الغلبة لمَن أراد إقفال هذا الملف نهائياً ليكون بلال بدر نزيل أحد السجون اللبنانية، فملفه حافل بالجرائم التي ارتكبها عن سابق تصوّر وتصميم في حق الفلسطينيين واللبنانيين مدنيين وعسكريين.